«حرب الجميع ضد الجميع» في سوريا

تم نشره السبت 30 نيسان / أبريل 2016 01:25 صباحاً
«حرب الجميع ضد الجميع» في سوريا
عريب الرنتاوي

حتى إشعار قريب أو بعيد، سيظل مسار جنيف التفاوضي معطلاً أو معلقاً ... لا وقت للمفاوضات والمحادثات، فالكلام خلف الميكروفونات وفي الغرف المغلقة، لا قيمة له الآن، ولن يفضي إلى “مطرح” ... لغة السلاح وحروب الميدان، هي التي ستقرر فحوى وتوقيت ووجهة الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف ... هذا الوضع بالضبط، هو ما دفع ستيفان ديمستورا لإطلاق صيحة استغاثة، والطلب من موسكو وواشنطن، وعلى وجه الاستعجال، استنقاذ التهدئة المترنحة على مختلف جبهات القتال في سوريا، وقبل فوات الأوان. بعد انهيار جولة المفاوضات الثالثة، بدا أن سوريا قد دخلت في مرحلة عنوانها “حرب الجميع ضد الجميع” ... كافة اللاعبين وجدوا في تعثر الدبلوماسية فرصة لاستنطاق السلاح ... الحوار من فوهة البنادق وليس عبر الميكروفونات، هكذا هي الحال على مختلف جبهات الحرب السورية المشتعلة، من حلب وإدلب مروراً بتل رفعت وانتهاء بالغوطة الشرقية. ونبدأ بالنظام السوري وحلفائه أولاً، إذ عاد الحديث عن خطط لتعديل “جوهري” في توازنات القوى على الأرض، وربما حسم معركة حلب، والحسم هنا لا يعني بالضرورة، “تطهير أحياء المدينة الشرقية من رجس الجماعات المسلحة”، بل تقطيع أوصال هذه الجماعات وقطع طرق إمداداتها المفتوحة على “العمق التركي المعادي” ... النظام سائر على هذا الطريق، وبدعم نشط، وغير متردد من حلفائه، من موسكو إلى الضاحية الجنوبية، مروراً بطهران ... الأولى عادت لطرح مسألة إدراج “أحرار الشام” و”جيش الإسلام” في قوائم الإرهاب السوداء، والطيران الروسي يشاطر الطيران السوري طلعاته الجوية، فيما تواصل الثانية (طهران) تعزيز قواتها النظامية البرية في سوريا، ولأول مرة منذ انتصار ثورتها الإسلامية تدفع بوحدات من جيشها النظامي إلى خارج حدودها. في المقلب الآخر من الحدود، وجدت تركيا من “يتفهم” مطالباتها القديمة – الجديدة، بإقامة “منطقة آمنة” بعمق مائة كيلومتر في شمال سوريا ... أردوغان تشجع بتصريحات أنجيلا ميركل المؤيدة لفكرته “الجهنمية” ... وطموحات السلطان انتعشت بقول باراك أوباما أنه لا يعارض “مبدئياً” الفكرة، وإن كانت متطلباتها “اللوجستية” و”العملانية”، الفائضة عن طاقة بلاده وحلفائها، تجعل منها أمراً غير واقعي ... ماذا لو عرض السلطان، ما يكفي من هذه “المتطلبات”، وهل سيتحول المشروع/ الطموح من فكرة مجردة إلى سيناريو قابل للتجسيد على الأرض؟ ... في هذه المناخات، وجدت أنقرة متسعاً من الوقت، وفسحة من الأمل، فأرسلت عبر حدودها بمئات المقاتلين من مختلف المرجعيات (الأصولية بالطبع) لقتال الأكراد في تل رفعت، سعياً للقضاء على “الجيب الإرهابي” الذي يقض مضاجع أنقرة ... لكن الرياح الكردية هبّت بما لا تشتهي أشرعة السلطان وسفنه. على جبهتي إدلب وحلب وأريافهما المجاورة، وعلى مقربة من العاصمة دمشق، وجدت “النصرة” نفسها وجهاً لوجه مع “لحظة تسوية الحساب” ... قررت أن تفتح النار على خصومها، قبل أن تأتيها “طعنات الغدر” من دون استعداد ... أدركت النصرة أن “سيناريو المكلا” قابل للتنفيذ من جديد في مناطق نفوذها السورية ... “حلفاء حلفائها” هم من قاموا بشن حرب استئصال القاعدة في حضرموت وغيرها، فلماذا لا يعيدون الكرة من جديد في سوريا؟ ... فتحت النار على حلفاء الأمس، متحالفة مع عدد متزايد من الفصائل و”انشقاقاتها”، سعياً في تثبيت “إماراتها” في شمال غرب سوريا، وتقترب من ريف العاصمة السورية، حتى وإن اقتضى الأمر الاشتباك مع حلفاء الأمس ... بوجود هكذا صنف من الحلفاء، ليست النصرة بحاجة إلى الأعداء، هذا هو الدرس “اليمني” الذي تعلمته النصرة، وهذا هو الرد على محاولات موسكو وحلفائها، تصنيف المعارضات، وفرز غثها عن سمينها، إرهابييها عن “معتدليها” .... لسان حال النصرة يقول: ظهرنا إلى جدار، ونحن “نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا”. هي إذن، “حرب الجميع ضد الجميع” في سوريا، وهي حرب قد لا تضع أوزارها قريباً، وستشكل من دون ريب، أخطر اختبار للتوافق الروسي – الأمريكي، الذي صمد حتى الآن، أمام اختبارات أقل خطورة وجدية، فهل يصمد من جديد، ويُعاد الاعتبار لـ “وقف الأعمال العدائية”؟ ... هل تستجيب موسكو وواشنطن لنداءات الاستغاثة الأممية، أو أن التراشق الأخير بين واشنطن وموسكو، قد ألحق ضرراً غير قابل للجبر بين راعيي مسارات السلام والحرب في سوريا؟ ... سؤال برسم الأيام القليلة القادمة.

(الدستور 2016-04-30)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات