في رحاب النكبة !

تم نشره الأحد 15 أيّار / مايو 2016 10:42 مساءً
في رحاب النكبة !
د. عادل محمد عايش الأسطل

برغم مآسيها وآلامها العِظام، فإن النكبة الفلسطينية عام 48، والتي تأسست بأيدٍ صهيونيّة عالميّة، على حساب دماء ومقدّرات ومقدّسات الفلسطينيين، لم تكن أصعب حالاً من أوضاعهم التي تلتها، وهذه التي يعيشونها الآن، بسبب أن تلك المآسي والآلام، التي قامت وتقوم بها الحكومات الإسرائيلية على اختلافها، لم تنقطع ولا تزال متواصلة، فأعمال القتل والتهجير والتهويد، هي أعمال مُشاهدة على مدار الساعة، وتسير على ما يُرام، وبما لا تُشكل عبئاً كافياً، لدى العرب والفلسطينيين بشكلٍ خاص.

الأمر الأسوأ، هو أن تلك المآسي والآلام المتنامية، بدل أن تؤجج روح الكرامة والغيرة لدينا – عرباً وفلسطينيين-، فقد بدت وكأنها حافزاً للخوف والرهبة، ووقوداً للمزيد من الخنوع والمهانة، حتى أصبحت النكبة، تمثّل رحباً أكثر، مقارنة بما وصلنا إليه حتى هذه الأثناء.

قرار تقسيم فلسطين 1947، تم رفضه بشدّة شديدة من قبل العرب، حيث حزموا أمرهم وأجمعوا، على أن (السيف) وحده، هو الذي سيتكلّم فقط، وبعد عشرين عاماً، وفي أعقاب هزيمة 1967، بدوا أهدأ حالاً، وقد ساهم إفلات إسرائيل من سمك القرش ساكن البحار، في استقرار رأيهم على ثلاث لاءات فقط، لا رابع لهما ( لا سلام، لا اعتراف، ولا تفاوض مع إسرائيل.

حرب 73، كان لها الفضل المبين، في شطب تلك اللاءات ومسحها عن آخرها، والانصياع إلى سبيل السلام، كخيار استراتيجي، ثم تحوّل الرؤساء والحكام والزعماء، ضمن ذلك الإطار، إلى البدء بنسج الآمال، نحو قيام الدول الكبرى والقوّتين العظميين بخاصة، بالضغط على إسرائيل، باتجاه إنهاء احتلالها للأراضي العربية والفلسطينية، ودفعها للحقوق المشروعة.

في أوسلو 1993، وصل العرب والفلسطينيين بخاصة، إلى قناعة، بأنه حان الوقت لصنع السلام الدائم والشامل بصورة الأفعال لا الأقوال مع إسرائيل، خاصة وأنهم تابعوا مراحل حياتها المتعاظمة والتي لم تتوقف يوماً، حتى أصبحت تحوز على مرتبة متقدمة (اقتصادياً وعسكرياً)، فاقت عليهم عدةً وتقدّماً، حتى برغم اختلاف أعراقها، وبعد جميع حروبها التي خاضتها باتجاههم.

لم يكن إقدامهم، على الاعتراف بإسرائيل ككيان فقط، بل بمكانتها وثقلها داخل منطقتهم، وحتى في ضوءً لم يطرأ أي تغيّرات، على مواقفها المتشددة وسواء بالنسبة لهم أو للقضية الفلسطينية، باعتبارهم هم من أهدروا فرص السلام معها، برغم ما جادوا به من تراجعات وتنازلات، والتي بلغت الدرجة، التي لم يعُد هناك شيء، يمكنهم التراجع بشأنه أو التنازل عنه.

لم تقف الأمور عند هذا الحال، بل تفاقمت إلى ما يُمكن تسميته بالانهيار الكبير، والذي لا توجد له حلول مُقنعة، حيث بدأ لديهم، بأن إسرائيل لم تَعُد هي العدو، وإنما هي حليف استراتيجي نحو نضالٍ مشترك، وأصبح في نظرهم، بأن من لا يزال يذكر بأنها عدو، فإنما هو يمكث في الزمن الأول، ويتعمّد الكذب على نفسه، وعلى هذا الأساس، فقد بدأوا بالتسابق لحجز المقاعد الاولى، في سبيل إلزامها بعلاقات تعاونية غير عادية.

حتى في ضوء الفوضى القاتلة التي طافت أرجاء بلدانهم، حيث تواصلت خلالها أعمال القتل والتهجير، والخراب والتدمير، إلى أن بدت شعوبهم ممزقة ومنقسمة، وتبرع فقط، في إطلاق النار على أنفسها، فقد شرع بعضهم بإنشاء علاقات علنيّة معها كـ (دولة يهودية) خالصة، يحزنون لحزنها، ويهنون لفرحها، ويُشاركونها في احتفالاتها ومناسباتها السعيدة، وبضمها احتفالاتها بالاستقلال.

وقام آخرون منهم، بإمدادها في مجالات حياتها، بما في ذلك مجالات الاستيطان والتهويد، وتعمّد غيرهم، الإعلان صراحةً، بأنهم يغزلون تعاونات معها وفي مجالات عٍدّة، وخاصة الأمنيّة والمخابراتية، كما أضاف مسؤولون رسميّون، دعواتهم الرامية إلى ضرورة التئام العقول العربيّة بالأموال اليهوديّة، للوصول إلى عالم أوسطي جديد، ينعم بالرّفاه والاستقرار.

تجدُر الإشارة هنا، إلى أن ما بقي بشأن القضية الفلسطينية، هي محاولات يائسة جداً، بغض النظر عما يُمكن أن يتفرّع منها، وهي المتعلقة بضرورة شحن الجهود نحو الإكثار من المشاركة الجماهيرية في إحياء النكبة، سعياً في ترسيخها والتذكير بها، أو تلك المتعلقة بمسألة تدويل القضية، وإعادتها إلى الأمم المتحدة، آملاً في أن تتمخض عن إطلاق عمليّة سياسيّة جديدة.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات