الدولة «المُتمرِّدة» وتلك «المارقة»: كوريا الشمالية وإسرائيل

تم نشره الإثنين 26 أيلول / سبتمبر 2016 12:30 صباحاً
الدولة «المُتمرِّدة» وتلك «المارقة»: كوريا الشمالية وإسرائيل
محمد خروب

في غمرة الصخب الذي يواكب الاجتماع السنوي للجمعية العامة للامم المتحدة وخصوصاً هذا العام, الذي كان فيه باراك حسين اوباما نجم الدورة الراهنة التي تحمل الرقم «71»، كونه لن يستطيع «بعد الان» ان يقف على المنصة الأُممية بصفته رئيساً للولايات المتحدة، ومع سيل الخطابات التي ألقاها رؤساء دول ووفود على مستوى أقل، حفلت بالكلام الكثير الذي لا يحفل به احد...سوى اصحابه، كون جدول اعمال عالمنا، لا يكتبه الا «الكبار» الذين يُمسِكون بمفاصل القوة, العسكرية والاقتصادية وعالم المال والجاسوسية واقتصاد المعرفة الذي بات سلاحا فتاكا يمنح صاحبة الدور والحضور والقرار – بهذه الدرجة او تلك – تبدو، في غمرة ذلك الضجيج، دعوة كوريا الجنوبية الأمم المتحدة, طرد عدوتها او شطرها الشمالي من عضويتها... لافتة, وإن كانت في اثرها السياسي والاعلامي مجرد فقاعة دبلوماسية لا قيمة حقيقية لها، حيث يصعب ليس فقط «طرد» بيونغ يونغ من المنظمة الدولية لاسباب يعلمها ساسة الجنوب الكوري وخصوصاً من خلال موازين القوى الراهنة في مجلس الامن, وانما ايضا في ان حرمان كوريا الشمالية من «مقعدها» الذي لا يوفر لها اي «مكسب» حقيقي, اقتصادي او دبلوماسي او سياسي، سيمنحها الفرصة للتحلل من اي التزام او حرج في المضي قدما في برنامجها النووي الذي قطعت فيه شوطا كبيرا، ما يُمكِّنها من ادارة ظهرها لكل التهديدات التي «تنهال» عليها, وكان آخرها ما كشفه وزير الدفاع الكوري الجنوبي من أن لدى بلاده «خطة» لاغتيال الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون, ستقوم بها «فرقة» عسكرية خاصة مُدرَّبة لتنفيذ «العملية»، في حال شعرت سيؤول, بان الجارة الشمالية تهددها «نووياً».

ما علينا..

ثمّة شعور متزايد بين دول العالم، كبيرها والصغير، بان الامم المتحدة لم تعد ذات قيمة او اهمية تستدعي التمسك ببقائها على النحو الذي تنهض به في الملفات والازمات الدولية, بل باتت مجرد ناد للخطابات وساحة للتراشق الاعلامي والكيد السياسي والدبلوماسي بين الدول الكبرى التي تريد من خلالها ان «تُشرّعِن» سياساتها الدولية, وخصوصا وضع ميثاقها في خدمة مصالحها الاستراتيجية وإلاّ فإنها (الأمم المتحدة) لن تحظى بأي اهتمام ولن يكون ميثاقها موضع احترام, إذا ما فشِل تمرير اي مشروع قرار، عبر مجلس الأمن او عبر الجمعية العامة ... يخدم هذه المصالح الانانية, على النحو الذي رأيناه في العدوان الاميركي البريطاني على العراق عام 2003 ودائماً في «الاحتقار» والغطرسة الذي تواجِه به اسرائيل قرارات الأمم المتحدة تساندها في ذلك, عبر الفيتو او الحؤول دون عقد الاجتماعات العاجلة لمجلس الامن...واشنطن زعيمة «العالم الحر» والمدافِعة الاولى عن قيم الحرية والعدالة والديمقراطية (طبعاً وفق معاييرها وتصنيفها الامبريالي المعروف).

ذات مرة وصف الجنرال ديغول الامم المتحدة بانها «ذلك الشيء الكائن في مانهاتن» وهو وصف بليغ يختصر , ضمن امور اخرى ,كيف بدا «ذلك الشيء» في ستينيات القرن الماضي، عندما كان في عالمنا.. وقتذاك, بعض التوازن في موازين القوى، وبعض الاحترام للقانون الدولي وبخاصة ان الحرب الباردة كانت في ذروتها، فضلاً عن ان آثار وتداعيات واصداء الحرب الكونية الثانية, كانت ما تزال تتردد في جنبات المعمورة وتثير ردود افعال صاخبة ومواقف من الاحزاب والمثقفين وحركات السلام في اوروبا الرافضة للحروب وعسكرة العلاقات الدولية.

لم يعد ذلك موجوداً الان او لنقل بات ضعيفاً وبصوت خافت, يكاد لا يكون مسموعاً او هو مقموع في غالب الاحوال، وإلاّ ما المبرر للتركيز على «ترسانة» بيونغ يانغ فيما يتم غض الطرف بل التواطؤ ازاء ترسانة اسرائيل ,وتحظى الدولة الصهيونية المارقة بمظلة اميركية واوروبية كاملة، فيما يتم شيطنة نظام الشطر الشمالي من كوريا وتوضع الخطة تلو الاخرى لتجويع شعبها واغتيال رئيسها, ايا كانت سياسية هذا الرئيس او طبيعة نظامه ويجري نصب منظومة متطورة من الصواريخ الاميركية من طراز» ثاد» (THAAD) في كوريا الجنوبية, ما يرفع من مستوى التوتر ليس فقط في شبه الجزيرة الكورية بل في كامل منطقة شرق آسيا, اذا ما علمنا ان مسألة «الصراع» على بحر الصين الجنوبي ما يزال يتصدر الاجندة الاميركية التي تواصل تحريض «اصدقائها» في الفلبين وفيتنام واندونيسيا وكوريا الجنوبية واليابان على «عسكرة» المنطقة ورفع منسوب التوتر فيها؟

قد تكون بيونغ يانغ ذهبت بعيداً ( بعد تجربتها النووية الخامسة التي جرت في التاسع من الشهر الجاري) في «استفزاز» جيرانها وإغضاب اقرب الحلفاء اليها الصين وتاليا روسيا، ناهيك عن واشنطن وباقي دول الغرب الاستعماري ودول الجوار الكوري مثل اليابان، إلاّ ان استمرار فرض العقوبات القاسية عليها والتلويح بمزيد منها لن ينفع في اقناع كيم جون اون بالتخلي عن برنامجه النووي او تجميده، بل إن الطريق الى نزع فتيل الانزلاق الى ما هو اسوأ، هو الأخذ بالنصحية التي وجهها الرئيس الكوبي السابق فيديل كاسترو لرئيس وزراء اليابان شينزو آبي, عندما التقاه في هافانا مؤخراً: بأن «الحوار» هو الطريق الوحيد لحل الأزمة النووية مع كوريا الشمالية... وليس اي شيء آخر.

(الرأي 2016-09-26 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات