الأمة العربية في مرمى النار

تم نشره الإثنين 24 تشرين الأوّل / أكتوبر 2016 12:18 صباحاً
الأمة العربية في مرمى النار
محمد كعوش

المشهد ضبابي غامض ، متشابك ، معقد للغاية ، عصي على الفهم ، قد احتاج الأستعانة بصديق ، لديه القدرة على فك الطلاسم ، وكشف طالع الأمة ومستقبل المنطقة ، لتفسير ما يدور حولنا ، والكشف عن اهداف الحرب في سوريا والعراق ، والتي تحولت من ازمة محلية ، الى صراع مسلح بين المعارضة والنظام ، الى حرب اهلية دامية ، توسعت دائرتها ، وتعددت أطرافها ، لتصبح اقرب الى مزيج من حرب محلية اقليمية دولية ، تلوّح بتغيير الحدود وتقسيم الارض والشعب في القطرين العربيين.

وما وراء المشهد ، وخلف دخان المعارك ، هناك نشاط سياسي وحراك دبلوماسي ، واتصالات واجتماعات تثير الشكوك. ولأن الشك يثير التساؤل ، والسؤال يقود الى اليقين ، نسأل ونتساءل حول نوايا هذا الحشد الدولي العسكري والسياسي والأعلامي المتعلق بتحرير الموصل ، وما حولها وبعدها. والذي يثير الشكوك اكثر أن هذا الحشد العراقي والأقليمي والدولي المتحمس لتحرير الموصل وتخليص المدينة واهلها من ظلم وظلام تنظيم داعش ، لم يقرر ضرب التنظيم والحاق الهزيمة به ، بل يريده الخروج من الموصل والتوجه الى الشمال السوري ، وبالتحديد الى ادلب ودير الزور والرقة ، حيث الامارة السلفية.

والعجيب الغريب المدهش ، هو ان الدول الغربية ، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ، تدعو ، وتدعم ، وتشارك في معركة الموصل ، ولكنها هي ذات الدول التي تدعم بقاء التنظيمات المسلحة المتطرفة في حلب ، وتعمل على حمايتها ، لدرجة التهديد بالتدخل العسكري ، او التلويح بفرض عقوبات على سوريا وروسيا ، وقد تكون فرنسا هي الأكثر اندفاعا في هذا الأتجاه ، رغم أن التنظيمات الأرهابية ضربت اهدافا في فرنسا اكثر من مرة !!

الثابت ان هذا التناقض في الموقف الغربي ، ما بين معركة الموصل والحرب في حلب ، يشير بكل وضوح الى النوايا الشيطانية الساعية الى تقسيم العراق وسوريا ، وان اختلفت الوسائل والمواقف والأساليب. فدخول الأكراد في المعركة بهدف التوسع والفوز بحصة من الغنائم ، وظهور تركيا في المشهد العراقي ، وحديث اردوغان عن مقعد تركي حول طاولة التفاوض ، يؤكد التوجه الغربي نحو تقسيم العراق ، على قاعدة طائفية وعرقية ، بوجود حكومة عراقية محشورة في زاوية محاربة داعش وتحرير الموصل. اما بالنسبة الى حلب ، هناك حكاية اخرى ، والمشهد يختلف في تفاصيله وفصوله واهدافه. التحالف الغربي يخوض معركته الأكبر والأهم ، فهو يريد حماية التنظيمات المتطرفة في حلب وشمالها وشرقها ، واستخدام هذه التنظيمات ورقة للتفاوض والضغط في وقت واحد ، بهدف عرقلة الحسم العسكري ، رغم الجهود السورية والروسية للتخفيف من حدة المواجهة عبر الدعوة للهدنة وفق برنامج زمني محدد ، الا أن التحالف الغربي والتنظيمات المتطرفة يعملان على خلط الأوراق من جديد ، لأفشال المشروع الروسي.

الثابت أن الدول الغربية تريد اسقاط النظام وتفكيك الدولة ، أو اقامة نظام حكم فدرالي في سوريا ، من اجل انهاء حالة الصراع العربي الأسرائيلي ، وبالتالي تصفية قضية الشعب الفلسطيني. وهناك اطراف اقليمية ودولية عديدة تعتقد أن الأمة العربية أمة مريضة خرجت من التاريخ ، ويجب توزيع التركة ، وأن الفرصة التاريخية قد حانت ، لتغيير حدود وشعوب في المنطقة. فالاكراد يتوسعون في الشمالين العراقي والسوري ، وتركيا اجتاحت مناطق في الشمالين ايضا ، حتى وصلت الى مواقع في شمال حلب ، وكثر الحديث التركي عن حقوق جغرافية ومناطق امنية ، ومصالح تركية في العراق وسوريا ، وخصوصا في حلب والموصل ، والمطالبة بتعديل معاهدة لوزان. واذا كان اردوغان قد فتح دفاتر الجغرافيا فنحن نفتح كتب الجغرافيا والتاريخ أيضا للرد على مزاعمه.

في التاريخ والجغرافيا نعرف ان حلب والموصل مدينتان عربيتان ، و أن فترة الحكم العثماني للبلاد العربية لا تعطي الرئيس التركي حق التلاعب بالحقائق التاريخية ، وهو يعرف ان معاهدة لوزان اقتطعت العديد من المدن والمناطق السورية العربية وضمتها للدولة التركية مقابل التنازل التركي عن بعض جزر بحر ايجة. ولأنعاش ذاكرة اردوغان نذكر بعض المدن والمناطق التي ضمتها تركيا وفي مقدمتها مرسين وقيليقية وأضنة وغازي عنتاب وكلس ومرعش واورفة ومردين وغيرها.

الحقيقة أنه كلما تقدمنا في المسير الى الأمام تتضح معالم المشهد ، وتتكشف اهداف هذه الحرب التي لا تحمل اسما محددا ، لأن اهدافها ابعد ، ومقاصدها اوسع من الساحتين العراقية والسورية ، فالأمة العربية في مرمى النار ، والهدف هو اسقاط الهوية العربية ، واستبدالها بهويات طائفية ومذهبية ، وبالتالي انهاء قضايانا القومية لصالح الوجود الاسرائيلي في المنطقة.

(الرأي2016-10-24)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات