قديم لا يغادر وجديد لمّا يأت بعد

تم نشره السبت 10 كانون الأوّل / ديسمبر 2016 12:21 صباحاً
قديم لا يغادر وجديد لمّا يأت بعد
عريب الرنتاوي

لا رهانات فلسطينية على مؤتمر باريس الدولي المقرر التئامه قبل انتهاء موسم الأعياد … الرهان الفلسطيني ينعقد في مكان آخر: اعترافات أوروبية لاحقة بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بعد أن تنجلي للعالم، صورة إسرائيل بوصفها الطرف المعرقل لمسارات التفاوض وحل الدولتين.
بالمعنى السياسي والدبلوماسي، لا غبار على المقاربة إن لم يترتب عليها دفع أثمان إضافية، فكثير من المعارك التي يخوضوها الفلسطينيون والإسرائيليون منذ سنوات، هي معارك حول “الصورة”، الصورة التي يرغب كل فريق بأن يظهر فيها وعليها، مقابل صورة أخرى، نقيضة، يسعى في إلصاقها بالطرف الآخر … بهذا المعنى، تبدو معركة مؤتمر باريس، وقد حسمت لصالح الفلسطينيين، بعد أن أظهر نتنياهو وفريقه الحكومي، فائضاً من التعنت والصلف، يملي على أوروبا، الوفاء بالتزاماتها المعلنة والمضمرة حيال الاعتراف بالدولة الفلسطينية العتيدة.
لكن في المقابل، يخطئ الفلسطينيون إن هم ظنوا، أن حصاد معارك الصورة والرواية هذه، يمكنها أن تقرب موعدهم مع الحرية والاستقلال … فهذا النوع من المعارك، وبالذات في حالة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، تظل من النوع “الثانوي” الذي لا يكفي وحده، لإحداث تعديل جدي في موازين القوى وتوازناتها، أو يفضي إلى رفع كلفة الاحتلال بالقدر الذي يسمح بتسريع رحيله … على أهمية هذه المعارك، لا يجوز لأحد، أن ينام على حرير إنجازاتها وانتصاراتها.
ذلك أن إسرائيل، لم تعد تقيم، وهي لم تُقم من قبل، وزناً حقيقياً لهذه المعطيات والاعتبارات، اليوم تخضع إسرائيل لحكم ترويكا يمينية، تعتقد أن توسيع مستوطنة أو بناء بؤرة استيطانية جديدة أو تشريع أخرى، أهم بكثير من استرضاء السيد فرانسوا هولاند، أو جعل حياة أوباما – كيري أكثر سعادة … بدلالة أن إسرائيل، اختارت توقيتاً عجيباً لتمرير مشروع قانون لـ “شرعنة” البؤر الاستيطانية، من دون أن تأخذ بنظر الاعتبار توقيتات مؤتمر باريس أو التصريحات الغاضبة للسيد جون كيري في معهد بروكينغز.
والأرجح أن شهية إسرائيل التوسعية التي تفتحت أكثر من أي وقت مضى على وقع التصريحات الرعناء للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، التي خرجت عن مألوف الخطاب الرسمي الأمريكي بخصوص الاستيطان، سوف تلتهم المزيد من أراضي الفلسطينيين وحقوقهم في قادمات الأيام، وربما بخطى متسارعة ومشاريع عملاقة، طالما أن الاستيطان من منظور السيد الجديد للبيت الأبيض، ليس عقبة في طريق السلام وحل الدولتين.
وقد ينتهي الحال بالفلسطينيين إلى وضعية هي الأشد غرابة في تاريخ حركات الاستقلال والتحرر الوطني … إذ كلما تزايد الاعتراف العالمي بحقهم في دولة مستقلة وقابلة للحياة، بعد الخلاص من نير الاحتلال، كلما بات تجسيد هذه الدولة أمراً متعذراً، أو حتى مستحيلاً من الناحية العملية … ولا أدري بعد ذلك، كيف يمكن للفلسطينيين التصرف بكل هذا “الرصيد” من الاعترافات الدولية، وكيف يمكن تجييره معركتهم من أجل تقرير المصير، وهل هو من النوع الذي سيبقى ويتعاظم، أم أنه من النوع “سريع النفاذ” بالتقادم أو عند أول مبادرة منقوصة لفرض حلول غير مرغوب بها على الفلسطينيين؟
لا شك أن تفهم العالم وتأييده لحقوق الفلسطينيين العادلة والمشروعة، أمر في غاية الأهمية، فالفلسطينيون ليسوا وحدهم في هذا الإقليم أو على الساحة الدولية … لكن التفهم والاعتراف وحدهما ليسا بكافيين تماماً لإنهاء الاحتلال الجاثم على صدورهم، والحاجة تبدو ماسة أكثر من أي وقت، لبذل مزيد من الجهود وتوظيف الكثير من الطاقات، على مسارات أخرى، لعل أهمها على الإطلاق، اجتراح معادلة تكفل تعزيز صمود الفلسطينيين في وطنهم وترفع كلفة الاحتلال في الوقت ذاته، وإذ أدرك الفلسطينيون متأخرين، أن النكبة لم تكن بضياع الأرض بل بهجرة سكانها، فإن أية توافقات بشأن أشكال الكفاح وأدواته في المرحلة المقبلة، يجب أن تلحظ شقي هذه المعادلة، وأن تلحظهما معاً، فإي “تطرف” بالانحياز لشق من المعادلة على حساب الشق الآخر، سيفضي إما لانتهاج سياسات مستكينة، خانعة للاحتلال ومتعايشة معه، أو إلى مجازفات ومغامرات، لا يبدو الشعب الفلسطيني، ولا البيئة الإقليمية من حولة، بقادرين على تحمل أعبائها وتبعاتها.
ومن يتابع الجدل الوطني الفلسطيني الداخلي، الفصائل والشعبي عموماً، يلحظ أن ثمة “مستودعاً” من الأفكار والمبادرات التي يمكن الأخذ بها والاتكاء عليها، بيد أن السؤال الذي لم يجد جوابه بعد، يتعلق بقدرة البنى المؤسسية الفلسطينية، بما فيها البنى الفصائلية ومؤسسات المجتمع المدني والأطر التقليدية، ما زالت قادرة على النهوض بأعباء المرحلة الاستراتيجية التي تجتازها الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، أما أن المجتمع الفلسطيني ما زل يمر بمرحلة الانتقالية صعبة للغاية، تتلخص في “قديم يرفض المغادرة” و”جديد لم يتبلور بعد”.

(الدستور2016-12-10)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات