ليس ذلك ديني!

تم نشره الإثنين 12 كانون الأوّل / ديسمبر 2016 12:23 صباحاً
ليس ذلك ديني!
محمد أبو رومان

 كنت أقرأ على موقع "بي. بي. سي" العربي عن "الأمراض النادرة". ومما استوقفني (لا أعرف لماذ!)، مرض "غياب الألم"؛ وجاء بشأنه: "يعتبر مرض غياب الشعور بالألم مرضاً وراثياً نادراً. ولا يتعدَّى عدد المصابين به المسجلين طبياً أكثر من 20 شخصاً حول العالم. وهو مرض يجعل المصاب به لا يحسّ بأي ألم جسدي، بدءاً من الإحساس بوخزة صغيرة وصولاً إلى الآلام الحادة كألم الحروق أو الكسور... ولا يدرك الأشخاص منذ ولادتهم معنى الألم، ما يدفع الأطفال إلى إيذاء أنفسهم من دون العلم بذلك، إذ قد يقوم الطفل بوضع يده في النار وهو لا يعلم أنها تحترق".
بصورة مباشرة، ومن دون تفكير ولا تحليل، وأنا أقرأ ذلك الخبر، ربطت المرض -غياب الألم- بحالة الإنسان العربي اليوم. لكنّنا -أي العرب- حالة متقدمة على توصيف المرض السابق نفسه؛ فلم نعد نشعر بالألم، سواء كان حسياً أم معنوياً، مباشراً أو غير مباشر، فأصبح الألم عاماً وعدم الإحساس به عاماً أيضاً!
تخيلتُ نفسي أحد أولئك المحاصرين في حلب، مع أسرتي، حيث لا دواء ولا غذاء، ولا أمن ولا ضمانات؛ أليست هذه الحياة بحدّ ذاتها ألما كبيرا؟! وأعدتُ التفكير في أولئك الأطفال الذين يخرجون من تحت الأنقاض وهم مصدومون، لكن لا يتألمون. ألا تذكرون صورة الطفل عمران الحلبي، ابن الخمسة أعوام (الذي أخرجه الناس من بين الأنقاض، وهو مصاب والدماء عليه، لكنه لم يكن يبكي)؟! تلك الصورة التي صدمت العالم، وأصبح السؤال المشحون بكمّ كبير من الدلالات والمعاني: "لماذا لا يبكي؟! ألا يشعر بالألم؟!".
كم عدد الأطفال السوريين والعراقيين واليمنيين الذين شاهدوا أهوالاً وكوارث ومصائب من الحروب؟! أشعر بقلق شديد لمجرد رؤيتي صورة اللاجئين من الموصل في المخيمات البدائية، وهم يقفون صفوفاً طويلة لمجرد الحصول على الحد الأدنى من الطعام، والأطفال وهم ينتظرون طويلاً للحصول على الماء؟ وأطفال الركبان الذين احتفلوا أمس بإقامة أول خيمة لهم للدراسة والتعليم، في تلك المنطقة الصحراوية الباردة القارسة، بلا أدنى شرط من شروط الحياة الإنسانية، وينتظرون موسماً بارداً، قد يودي بحياة أطفال، كما حدث مع مخيم الزعتري، الذي يعتبر 5 نجوم مقارنة مع "الركبان"!
أليس من المؤلم (إن كان هناك إحساس بالألم) أن يحتفل المسلمون اليوم بذكرى المولد النبوي الشريف بلا أدنى شعور بالخجل، ويتبادلون التحيات والسلامات، وتتسابق الحكومات فيما بينها في إقامة هذه الاحتفالات، ونحن، بأيدينا وأسلحتنا، نقتل بعضاً ونهجر بعضاً، ونستبيح منازل بعضنا وأراضينا، ثم يعقد الحوثيون وخصومهم والإيرانيون والعرب المعادون لهم احتفالات المولد النبوي، احتفالا بالرسول الكريم! 
ولو قُدر له أن يرى ويشاهد أولئك الذين يحتفلون به، وهم على هذه الحال، ماذا سيقول لهم: ألا تخجلون؟! ألا تحسّون؟! تدفعون المليارات لتقتلوا بعضكم، وتقصفوا بيوتكم، وتشردوا أطفالكم، ثم تتمسحون بمحبتي؟! تتركون الأطفال والنساء في العراء، بلا أدوية ولا أطباء، وتشاركون في القصف والذبح، والقتل والتعذيب، وكل ذلك باسم الدين وباسمي؟!
هؤلاء يقولون إنهم شيعة علي، وأولئك هم الفرقة الناجية؛ الكل يكفر الكل ويضلل الكل! إذا كانت رسالتي قد حرمت الغيبة (ذكر المسلم الآخر بالسوء) واعتبرتها كأكل الميتة، فكيف بأكل أمواتكم حقاً؟! واعتبر الله قتل امرئ مسلم كقتل الناس جميعاً، فكيف بقتل مئات الآلاف وتهجير الملايين؟! وضرب لكم القرآن مثلا وحذركم سابقاً من درب من قتلوا أنفسهم وأخرجوا أنفسهم من ديارهم، ففعلتم الشيء نفسه.

(الغد2016-12-12)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات