إعلان عرض أسعار.. حكومي!

تم نشره الخميس 23rd شباط / فبراير 2017 12:34 صباحاً
إعلان عرض أسعار.. حكومي!
علاء الدين أبو زينة

نشرت الصحف المحلية قبل يومين إعلاناً غير مألوف، احتل نصف الصفحة الأولى. صاحب الإعلان هو الحكومة؛ بالتحديد، وزارة الصناعة والتجارة والتموين. وعنوان الإعلان: "الحكومة تستثني أكثر من 70 % من السلع الغذائية من زيادة ضريبة المبيعات". ولم يكن تصميم الإعلان صارماً متجهماً مهدِّداً مثل إعلانات تبليغ المحاكم، ولا هو متباهٍ متعالٍ مثل إعلان الدعوة إلى مهرجان أو احتفال. كان إعلاناً على الطريقة التجارية، فيه رسم بياني توضيحي وصور لسلع ومأكولات، على طريقة إعلانات "المولات" الكبيرة عن العروض على بضائعها.
كان محتوى الإعلان خبرياً، من النوع الذي يوزع عادة في بيان صحفي على الصحف وينشر كمادة خبرية عادية في صفحات الأخبار. لكنه أراد، فيما يبدو، استخدام أدوات الإعلان التجاري؛ من التأثيرات البصرية والنفسية، لإيصال فكرة. والفكرة هي تذكير المواطنين بأن هناك سلعاً لم تطلها زيادات الأسعار، وتركيز انتباههم على هذه السلع بالذات وليس السلع التي ارتفعت، وتطمينهم بالإجراءات المتخذة لضمان عدم خضوعهم لابتزاز التجار الجشعين. وحتى يتعمق الإدراك النصي، ضم الإعلان صوراً للسكر والخبز والسمك وغيرها، ليقول للمواطن: هذا هو شكل الخبز الذي لم نرفع سعره، واللحم والزيت والسمسم.
إذا كان هذا العرض غير المألوف لخبر استثناء سلع من رفع الأسعار يريد أن يخاطب سيكولوجيا المواطن، فإنه يمكن أن يشير أيضاً إلى "سيكولوجيا الحكومة". ويقترح أنها تناضل من أجل العثور على سبل لاحتواء تأثير ارتفاعات الأسعار على المواطنين. ويبدو الإعلان –الذي لا يعلن عن هبوط أسعار وإنما عن مجرد تثبيت لأسعار- دفاعياً أشبه بالتماس، وليس "هجومياً" مثل إعلانات "المولات" التي تغري المستهلك بالشراء.
إذا جاز الاجتهاد، فإن معظم الأردنيين يدركون الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تجد الحكومات المتعاقبة نفسها فيها. وهم لا يعترضون غالباً على الحقائق، مثل إمكانات البلد الصغير وهباته الطبيعية المحدودة، أو الأوضاع التي تمر فيها المنطقة وتؤثر حتماً في البلد. إنهم يعترضون على ما يرونه خطأ في استثمار الموجود منها بالطرق المثلى الممكنة. ثمة الذين يركزون على الفساد والمحسوبية والواسطة والمظاهر كسبب لهدر المال العام والتضييق على المواطنين. وثمة الذين ينتبهون إلى تراجع التعليم وحرمان الشباب من الفرص بسبب ضعف التأهيل والقدرة على المنافسة. وهناك الذين يتعقبون المشاريع الإنتاجية والاستراتيجية المنتجة التي تتعثر أو تغيب. وهناك الذين يلاحظون قوانين الاستثمار غير الجاذبة للمستثمر الأجنبي. وهناك الذين ينتقدون تراجع واقع الخدمات والبيروقراطية وعيوب السياحة. وهناك الذين يلخصون المشكلة في أن الحكومات المتعاقبة تأتي إلى واقع أزمة موجود مسبقاً، وتتعامل معه بمنطق إدارة الأزمة، وليس البدء من نقاط واحدة لحل الأزمة.
يحب المواطن أن يتعاطف، لأنه يدرك أن بلده كله سفينة واحدة تسير بكل مَن عليها وفيها. لكن المواطن أيضاً مكشوف أمام كل دواعي القلق، وهو مطالب بحل أزماته الخاصة وعدم الغرق في إدارتها. وهو يريد أن يساعد، مثل أي فرد في أسرة كبيرة، لكنه يجد نفسه مطالباً بما ليس لديه. وربما يرى أن العلاقة لم تعد تبادلية تكافلية، بمعنى أنه يدفع ضرائبه ورسومه، ويتحمل ارتفاعات الأسعار، ليجد في المقابل عملاً لنفسه وأبنائه، أو تعليماً مجانياً ورعاية صحية معقولة وخدمات تعادل ما يدفعه.
إذا كان في تقديم خبر استثناء السلع الغذائية في شكل إعلان ملون شيء جديد، فهو أن الحكومة تبحث عن طريقة للتواصل مع المواطن بطريقة أكثر ودية واسترضاءً. وهي تريد أن لا تكون قراراتها فوقية جامدة هابطة بالمظلة، وإنما تريد أن تسوقها بالإقناع، حتى ولو باستخدام تقنيات الإعلان التجاري. وربما يمكن قراءة ذلك على أنه تحوُّل في العقلية؛ حيث تدرك الحكومة أن المواطن هو "الزبون" الذي يشتري ما تنتجه، وأن الزبون يجب أن يرضى عن المنتج ويشعر بأنه يخدمه حتى تنجح المؤسسة من الأساس.
إذا كان الأمر كذلك، فإنه واعد. لكنه يحتاج إلى أن يكون جدياً وواعياً لذاته. وينبغي أن تكون غايته تخفيف كلفة "المنتج الحكومي" (القرارات والسياسات) على المواطن وإقناعه بشرائه الشعور بجدواه. وقد يبدأ ذلك بكسر الدائرة الشرسة من إدارة الأزمة، والانطلاق من نقطة واضحة ما، في عملية إصلاح اقتصادي تكون غايتها طمأنة المواطن على مستقبله والسهر على رفاهه.

الغد 2017-02-23



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات