حديث على رصيف في رام الله

تم نشره الجمعة 21st نيسان / أبريل 2017 12:37 صباحاً
حديث على رصيف في رام الله
أحمد جميل العزم

بدأ الحديث، ظهر أمس، ضاحكاً، إلى حد ما، فقد نادى أحد الجالسين على المقاعد البلاستيكية، على رصيف وسط رام الله، شاباً يرتدي قميص "بولو" بنفسجي اللون، وقال له "بدك تلفونك"، وضحك الشاب وقال "أخذته... كل رام الله بلّغتني"، ومضى مسرعاً في طريقه. وأوضح ذلك الشخص القصة؛ قائلا: كنا في تظاهرة أمام سجن عوفر، وكانت هناك سيارة مع مكبرات صوت لبث أغان وطنية، ولكنها لم تُحضِر الأغاني، فتبرع هذا الشاب بهاتفه والأغاني عليه، ثم بدأ ضرب قنابل الغاز الإسرائيلي، والرصاص، وهرب الجميع، واحترنا كيف نوصل الهاتف للشاب الذي لا نعرفه، واتفقنا على وضعه في مكان ما، وأن أي شخص يراه يخبره بمكانه، ويبدو أن أكثر من شخص سبقوني. 
بادر آخر للحديث؛ لقد جرّبت الإضراب عن الطعام، عشرين يوماً، عام 1987، ولذلك أدرك ماذا يحدث في كل يوم الآن. وأضاف: أعرف ما الذي يحدث مع شقيقي الآن "بالضبط". قال في اليوم الخامس تكون المعدة تقلصت، واعتادت الجوع قليلا، ولكن يبدأ ألم المفاصل وتصبح الحركة صعبة. وأضاف، رغم ذلك لا أشعر بقلق من أول عشرين يوما سيمر بها أخي، ولكني (وقد أزاح وجهه قليلا عن الجالسين) مصاب بالرعب من الأيام التي قد تلي، ولا أعرف عنها شيئاً.   
استلم آخر دفة الحديث: أعتقد أن نقل الأسرى لسجون أخرى، له أهداف، واحد منها، "عذاب البوسطة". والبوسطة هو الحافلة التي ينقلون فيها الأسرى. وكان أسير سابق من سنوات الثمانينيات، أخبرني كيف أنّه غافل السجانين وأنزل العصابة عن عينيه، ويقول استمتعت برحلة في كل فلسطين. ولكني سمعت لاحقاً أن ظروف النقل اختلفت، وسألت المتحدث هل يعصبون عيني الأسير؟. قال لا، ولكن هي أشبه بصناديق حديديةـ أشبه بالخزائن، ويوضع الأسير مقيدا داخلها، وإذا ما ارتجت الحافلة كثيراً يمكن أن يصطدم رأسه بأي شيء. سألت، هل هناك نوافذ؟ فكرر هي أشبه بخزانة داخل الحافلة دون نوافذ، بل ثقوب يمكن للسجان رؤية الأٍسير منها، وهي رحلة بالغة الإرهاق، خصوصاً لمضرب على الطعام. وأكمل المتحدث: ونقل قيادات الأسرى، لسجن الجلمة فذلك لأنّ هذا من أسوأ السجون، ومثلا المسافة بين الزنازين وغرفة المحامين طويلة سترهق الأسير المضرب. 
اختلف متحدثان؛ هل لجوء الأسرى لحلق شعورهم تماماً، لأنّ الأسير يريد توفير طاقة يمتصها الشعر، أو لمنع تساقطه. أو من باب النظافة وعدم القدرة على العناية بالشعر أثناء الإضراب. 
عاد الذي تحدث عن تجربته في إضراب 1987، وقال إنّ "أول اشتباك" لشقيقي مع الاحتلال كان بسبب كلب. وقال لقد كان والدي عاملاً، سافر للخارج ليؤمن لنا دخلاً فقد كنا فقراء، وبنى لنا بيتا منعزلا تقريباً عن بيوت القرية، وكنا نربي دجاجا وأرانب، وأشار علينا البعض، بأن نأتي بكلب يكون حارساً. وقال: عاش الكلب معنا منذ منتصف الستينيات حتى نحو العام 1973، وكان عمر أخي ثلاثة عشر عاماً، وكنت أصغر منه. بات الكلب رفيقنا، نذهب لبيوت القرية فيمشي معنا، ويعود، ونلعب معه، وصار "الحارس الأمين" لنا. وعندما عوى في يوم على الجنود قتلوه برصاصة. وأذكر حزن أخي عليه، ومعه زوجة شقيقنا الأكبر، وكيف دفنوه ضمن طقوس وحزن، وصاروا يزورونه في قبره. وأضاف حتى عندما عاد أخي من الإبعاد من الخارج، وصار في أربعينيات عمره، كان دائماً يذكر الكلب ويقول "هذا هو الاحتلال يأخذ ما نحب دائماً".
كانت صحفيتان أجنبيتان تتجولان وتسجلان ما يوافق البعض بالحديث عنه بشأن أحبائهم في الإضراب. وكانت الصور خلفنا للأسرى ونبذة عنهم كأنها تحكي قصة بلد. دعا أحد الجالسين الصحفيتين لرؤية صورة على "الفيسبوك" على هاتفه، لمستوطنين يقيمون حفل شواء أمام سجن عوفر، فسألت إحداهن لماذا؟ قالوا لها لاستفزاز وتعذيب الأسرى، التفتت ببطء وتمتمت: "هذا أحمق شيء قد أراه".  
وأكمل حديثه عن جلسات المضربين بعد الأسبوع الأول، وهم يحلمون ويتغزلون بالطعام، ويحكون عن الحياة الجميلة. وضحك وقال كان "زوندا" الحليب المخلوط بالبيض والزبدة والسكر، الذي تناولناه عندما وصلنا لقرار فك الإضراب أشهى ما تناولته في حياتي.

الغد 2017-04-21



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات