صناعة الخرّوب!

تم نشره الخميس 27 نيسان / أبريل 2017 01:03 صباحاً
صناعة الخرّوب!
حلمي الأسمر

قضيت وقتا لا بأس به وأنا أعد نفسي لكتابة هذا المقال، باحثا عن اسم فيلم أجنبي طريف، يقوم على فكرة عبقرية ذات دلالة فلسفية عميقة، وللأسف فقد نسيت اسم الفيلم، لكن قصته لم تزل عالقة في ذهني، وهي باختصار شديد تتحدث عن حياة شاب منذ ولد يعيش فيما يشبه الاستوديو، حيث ثمة مخرج ومصورون، وديكورات، يسجلون كل ما يجري في حياة الفتى حتى بلوغه سن الشباب، حيث يكتشف ان كل ما مر به من أحداث منذ ولادته لم يكن غير سيناريو وممثلين وديكورات، حتى والديه لم يكونا والديه، باختصار، يقول الفيلم أن كل ما نراه ونعيشه ليس حقيقيا، بل هو مجرد تمثيل ووهم، وسيناريوهات معدة مسبقا!

الفكرة من حيث المبدأ مرعبة، فيما كنا فعلا نعيش في حياة افتراضية، ونحن فيها ممثلون في استوديو كبير، وكل من حولنا مجرد ممثلين، وكل ما نراه مجرد ديكور، والحقيقة أن حياتنا ليست بعيدة عن فكرة الفيلم، فثمة ما يقل عن واحد في المائة من سكان هذا العالم، هم من يقودون الكرة الأرضية ومن عليها، ومن يصنعون مصيرها، أما التسعة وتسعين في المائة، فهم مجرد كمبارس في فيلم الرعب هذا، قد تكون هذه الفكرة شديدة التطرف ومبالغا فيها، لكنها ليست خيالية، أو خالية من الحقيقة، خذوا مثلا تصريحات ونشاطات الساسة وقادة العالم ومشاهيره الذين نهتم بنشرها نحن الصحفيين، إن كل ما ننشره هو عبارة عن «خروب» والخروب كما هو معلوم: قنطار من الخشب ودرهم من الحلاوة، والحلاوة هنا هي حجم الحقيقة فيما ننشره، أما الخشب، فهو «مكملات» وإضافات لا لزوم لها، إلا أن تخفي درهم الحلاوة!

حجم الكذب في حياتنا الخاصة والعامة على حد سواء يستعصي رصده على كل أجهزة كشف الكذب التي صنعها الإنسان حتى الآن، ولو تسنى للجمهور أن يعرف فعلا حقيقة المشهد الذي يحيا داخله لأصيب بالجنون، شأنه شأن بطل الفيلم إياه، يكفي أن تقرأ ما كتبه الفيلسوف نعوم تشومسكي عن الاستراتيجيات العشرة التي يعتمدها الاعلام للسيطرة على عقول الجمهور، لتعلم أي وهم تحسبه واقعا، فـ «ليس كل ما يُقال تصدقه، ولا يمكن النظر إليه على أنه يمثل الحقيقة الكاملة، فالـواحد في المائة إياهم، يُخفون أجنداتهم وخطتهم الحقيقية باستخدام الإعلام والدعاية، اللذين لهما الدور الأبرز في تشكيل الرأي العام وتكوينه، فبفضلهما تنشأ حركات اجتماعية أو تندثر، وتبسط وتخفف بعض الأزمات الاقتصادية، وتٌبرر الحروب، ويتم تأجيج وإشعال الخلافات بين الأيديولوجيات المختلفة» على حد تعبير تشومسكي، الذي اعتمد في بلورة نقاطه العشرة على «وثيقة سريّة للغاية» يعود تاريخها إلى أيار مايو 1979، وتمّ العثور عليها سنة 1986، و تحمل عنوان: «الأسلحة الصّامتة لخوض حرب هادئة «، وهي عبارة عن كتيّب أو دليل للتحكّم في البشر والسيطرة على المجتمعات، فابحثوا عنها واقرأوها لتدركوا مغزى ما أقول لكم!

إذا كان شخص واحد كمؤسس موقع فيسبوك استطاع أن يؤسس «جمهورية» عدد رعاياها يقارب ربع سكان العالم، صرف لهم بطاقة عضوية اختيارية، يبوحون كل يوم عبرها بكل ما يجري معهم تقريبا، طائعين مختارين، فلنا أن نتخيل حجم ما لم يعلن عنه بعد، مما يفعله الواحد بالمائة من سكان العالم، الذين يكادون يتحكمون في كل شيء!

الدستور 2017-04-27



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات