الخيارات الصعبة

تم نشره الإثنين 25 أيلول / سبتمبر 2017 12:58 صباحاً
الخيارات الصعبة
د. باسم الطوباسي

قبل نحو عامين كان يتردد الخطاب السياسي ذاته الذي يتردد اليوم واحيانا بشكل يكاد يكون حرفيا عن صعوبة الخيارات الاقتصادية المتاحة، وعن استحالة استمرار التكيف مع هذه الاوضاع. يتكرر ايضا الحديث ذاته كلما تبدأ مراجعة دورية من قبل الصندوق أو البنك الدولي للأوضاع النقدية والاقتصادية أو كلما نقبل على مرحلة من الإجراءات الاقتصادية الجديدة، فيما يتراجع الحديث أو ربما يكاد يختفي عن الحلول الاستراتيجية على المدى الطويل وحتى الحديث عن تقييم الإجراءات التي تمت بين كل "موجة تذمر وطني" واخرى، وعلى سبيل المثال ترى ما الذي انجز من خطة  التحفيز الاقتصادي للعامين القادمين بعدما وصل النمو الاقتصادي إلى أدنى مستوياته. 
عمليا، لا يمكن الاستمرار بهذه الصيغة، فالخيارات أمام الحكومة محدودة. فيما ورثت الحكومة الحالية الملف الاقتصادي الأثقل في العقود الثلاثة الأخيرة من عمر المملكة. والأصعب من الأبعاد الاقتصادية والآثار النقدية، ما يرتبط بالبعد الاجتماعي لأي قرارات اقتصادية جديدة، وفي المقدمة سياسات إلغاء الدعم الحكومي عن بعض السلع والخدمات، والسياسات الضريبية، وما سيتبعها من مصفوفة طويلة من الآثار السلبية التي ستنعكس مباشرة على المواطنين من الطبقات الفقيرة والوسطى.
صحيح أن الدولة القوية هي التي تعتمد على جيوب مواطنيها. لكن سيكون ذلك قفزا في الهواء من دون بناء قاعدة إنتاجية حقيقية، تخلق ثروة الأمة. فبغير ذلك، ستكون سياسات الاعتماد على جيوب المواطنين هروبا من الرماد إلى النار، ولن تنتج إلا المزيد من الفقر، والمزيد من تهشيم الطبقة الوسطى.
علينا أن نراجع بشكل علمي ونقدي، السياسات الاقتصادية والاجتماعية خلال العقدين الماضيين، وسنلاحظ أن العديد من برامج الإصلاح الاقتصادي قدمت باسم الفقراء. فخطط إعادة الهيكلة، وبرامج التحول الاقتصادي الاجتماعي، وشبكات الأمان الاجتماعي، وغيرها، قُدمت وسُوغت أمام الرأي العام باسم الفقراء، وأحيانا الطبقة الوسطى؛ مرة من أجل حماية هذه الفئات، ومرة من أجل توفير فرص أفضل لها. لكن دائما، وعلى مدى هذه السنوات، دفع الفقراء ثم الفئات الدنيا من الطبقة الوسطى الثمن الغالي لتلك السياسات والبرامج.
السياسات الاقتصادية-الاجتماعية قد تجعل الطبقة الوسطى مهددة، ليس بفعل ذاتي، بل بسبب إعادة تشكيل بنية هذه الطبقة ووظائفها، وأهمها المزيد من الضغوط الاقتصادية التي تكبلها بالديون والضرائب، والمزيد من تضييق الفرص، والحد من سقف الطموح أمام أبنائها وفئاتها الجديدة؛ ليزيد الشعور بين أفرادها بأن ثمة طرقا أسهل وأسرع لتحقيق الذات متاحة بعيدا عن سلطة القانون والأخلاق، في الوقت الذي تتضخم فيه النزعة الاستهلاكية بين أفرادها، وتتراجع القدرة على الادخار وتختلط الأولويات.
تسعة عقود من تاريخ التنمية في الأردن، بنجاحاتها وإخفاقاتها، تحتاج مراجعة من منظور الابتكار في السياسات العامة؛ على سبيل المثال، إعادة تدوير السياسات العامة، والاستفادة من التراكم وتحويله إلى قيم وفوائد نوعية وكيفية؛ بمعنى أنه لا يمكننا الاستمرار في التراكم من دون تحويله إلى قيم نوعية. ومن الأمثلة: إنجازات التعليم وتنمية الموارد البشرية، وإنجازات الاستقرار السياسي والأمني، وإدارة الندرة، والسمعة وقيم النظام السياسي. كل ذلك وغيره يحمل قيمة مضافة قابلة للتوظيف النافع من خلال سياسات جديدة ومبدعة؛ أي الاستثمار الجديد والمبدع في هذه المجالات وإنجازاتها، وتحويلها إلى مورد جديد. وللأسف، هذا لم يحدث، حتى على مستويات ضيقة.

الغد  2017-09-25



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات