الراقصة والسكران وقانون الجرائم الألكترونية في الأردن

تم نشره الأحد 08 تشرين الأوّل / أكتوبر 2017 12:50 صباحاً
الراقصة والسكران وقانون الجرائم الألكترونية في الأردن
د.فطين البداد

ما أن بدأ الإعلام الأردني بمختلف وجوهه الأسبوع الماضي ينشر  قضايا تتعلق بشبهات فساد مختلفة ، منها من مشى صاحبها على الماء ، ومنها من طار في الهواء ، أو ابتلع الكهرباء ، حتى بدأت الحملات المضادة تتوجه ضد هذا الإعلام ليلوذ مكرها بصمت القبور .

 فإذا كان قانون الجرائم الألكترونية تم سنه - ظاهريا -  للحد مما كان يقع  في الأردن من استغلال وابتزاز لمستثمرين ورجال أعمال وسياسيين ، وهذا سبب من عدة أسباب أكبر ، وكنت - بالمناسبة - أحد الذين كتبوا وطالبوا أكثر من مرة بسنه - : إذا كان ذلك كذلك ، فإن الأمر انقلب لضده ، أي أن بعض  السياسيين ، وأتحدث هنا بشكل عام  وليس عن شخص بعينه  ، باتوا يتمترسون خلف هذا القانون ضد الإعلام  ، لدرجة أصبح  فيها أي رئيس تحرير يحجم عن نشر أي قضية حتى لو كان لديه بشأنها وثائق دامغة ،  ولدرجة بات اللجوء  للقضايا الإجتماعية والمنوعة أمرا لا مفر منه في سياق الإستمرار مع القراء ولو بطرق شيطانية ،  ولسوف لن  يجد الصحفيون الأردنيون ما ينشرونه نهاية المطاف إلا الإكتشافات العلمية والتكنولوجية ، أو النشاطات الرسمية التي يغطيها الناطقون الإعلاميون في الوزارات والمؤسسات وما تنشره وكالة بترا  :

سمعنا عن راقصة اشتكت على وسيلة إعلامية بتهمة القدح والذم ونشر صورة بدون إذن ، مع أن الصورة المذكورة منشورة على الأنترنت ، وسمعنا عن شخص تم تصويره سكرانا على جسر في عمان  يشتكي على إحدى الصحف لأنها نشرت الخبر  مع أن الصورة كانت مظللة ولا يعرف عاليها من سافلها  ، وسمعنا عن خادمة فلبينية اشتكت على وسيلة إعلامية بدعوى أنها تضررت من تقرير تحدث عن سوء معاملة الخادمات لأسيادهن ودوام فرارهن   ، رغم أنه لم يشملها شخصيا التقرير ، وعن ملياردير اشتكى على موقع ألكتروني بدعوى أن الموقع المذكور ضرب أسهم إحدى شركاته ،  هذه كلها وغيرها لا زالت شائعات ولم أتحقق منها ، وسواء أكانت صحيحة أم لا ، فإن مجرد تداولها أو الحديث فيها  يكشف بأن الجو الإعلامي العام في الأردن لم يعد مستساغا ولا ملائما للقيام بعمل   محترف ورصين بل وحتى استقصائي ، لأن الأعمال الإستقصائية كذلك يشملها قانون الجرائم الألكترونية وقانون المطبوعات  والنشر  ،  ونظرة سريعة إلى  مقالات الكتاب أو تقارير الصحف اليومية  والمواقع تنبئك بما وصل إليه الحال ، حيث لن تجد صحيفة أو موقعا ينشر قضية صحفية دسمة ، أللهم سوى قضايا الجرائم وتقارير الحوادث التي يبثها المكتب الإعلامي في كل من الأمن العام والدفاع المدني   .

 ومع  إقرارنا الذي لا شك فيه أبدا بعدالة القضاء الأردني المشهود له بالنزاهة  والذي سيحكم في النهاية لصالح الحق على حساب الباطل ، والذي لن يكيف - بداية كل دعوى -  أي قضية إلا بعد استكمال شروط إحالتها ،  إلا أن الأمر يصبح مزعجا ومنفرا حين ترى شخصا - أي شخص ، بسبب وبدون سبب -  يتقدم بشكاو ضد الإعلاميين الأردنيين ووسائلهم الإعلامية ،  حيث أخبرني  صديق دردشت معه بشكل عرضي هاتفيا ،  بأن القضايا التي تنظرها المحاكم كثيرة جدا ومكدسة وتتمحور حول ما ذكرنا آنفا  ، حتى أن أحد القضاة   - كما قال - استمر في النظر بالقضايا التي شملت أغلب وسائل الإعلام من صحف ومواقع ألكترونية ومواقع تواصل اجتماعي وغيره وهو شبه مريض ( مصاب بالزكام )  ومن هنا ، فإن قانون الجرائم الألكترونية بات سيفا مصلتا على رقاب الصحفيين والأعلاميين ، ومتعبا للقضاة ،  مما يثير الحنق والسخط على من أقر هذا القانون قبل التنسيب  به لجلالة الملك ، وبالمناسبة ، فإن الذي  يعود لتصريحات جلالته بهذا الشأن ،يجد بأنه  لم يطلب التضييق على الإعلام ، بل أمر بضبطه ضمن القانون والدستور ، ولكن الذي حدث أن بعض  المشرعين قرأوا الرسالة بالغلط.

  كيف ستلاحق الصحافة الفاسدين  والمرتشين وأشباههم ممن تحوطهم شبهات حولتها مكافحة الفساد أو الحكومة أو الوزارات ، وهي  ممنوعة من الخوض فيها حتى قبل إحالتها تحت طائلة المسؤولية  وقانون الجرائم الألكترونية وقانون المطبوعات والنشر وغيرها .

  ألا يبدو الأمر وكأنه حراثة في البحر؟.

 لقد سن قانون الجرائم الألكترونية ، في أحد أهدافه - وهي كثيرة كما قلنا  -  لمحاربة المرتشين والمبتزين  من الإعلاميين وهم قلة من خارج النقابة أصلا ،  ليتحول - مع التطبيق-  إلى أكبر حام للمتهمين بشبهات الفساد وابتلاع المال العام .

 أيهما أخطر يا رعاكم الله ؟؟ .  

 

د.فطين البداد 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات