عمان الجديدة .. أين .. ومن أين ؟

تم نشره الأحد 05 تشرين الثّاني / نوفمبر 2017 01:06 صباحاً
عمان الجديدة .. أين .. ومن أين ؟
د.فطين البداد

يخامرني الشك بأن الذاكرة لدى كثيرين منا باتت مثقوبة لدرجة أننا بحاجة لمن يذكرنا بأن فكرة عمان الجديدة ، ليست ولادة حكومة الملقي ومن سبقها بأكثر من حكومة ، لأن " الدندنة " عن نقل مرافق كبرى من قبيل المدينة الطبية والجمرك وغيرهما مضى عليه سنوات ، ولقي - حينها - معارضة واسعة ونقدا شديدا من قبل كتاب ونواب وسياسيين وأحزاب .

وأيا كان الأمر ، فإن الحديث عن "عاصمة" جديدة يتمحور حول استثمار أراض للخزينة وإنشاء مرافق كبرى عليها بالتعاون مع القطاع الخاص ، كما تقول الحكومة ، حيث يشاع بأن العاصمة الجديدة ، أو العاصمة الإدارية الجديدة ، إذا شئتم ، ستكون جنوب شرق مطار الملكة علياء بعيدا عن عمان بما ينوف عن 120 كيلومترا .

وتروج الحكومة أنها لن تتحمل أية نفقات وأن دورها سيقتصر على توفير المناخ للمستثمرين من خلال استراتيجيات تمويل جديدة ، تبدأ بإنشاء بنك يدعى " بنك الأرض " تنظم بموجبه مسألة استثمار الأراضي ، وتعول بواسطته على استثمار ذلك وما ينتج عنه من مرافق حديثة تحاكي المدن المتطورة في العالم ، وتعتقد - الحكومة - بأن إنشاء عاصمة جديدة سيكون المخرج من ورطة المديونية وخدمة ديونها من خلال استثمار أراضي الدولة غير المستغلة على غرار القاهرة الجديدة التي استقطبت عشرات المليارات من المواطنين المصريين الذين ساهموا فيها ، وفق بعض التسريبات عن خطط لا زالت مجهولة ..

ولقد فهمنا من خلال ما رشح من معلومات عن هذا المشروع الذي سيباشر به العام القادم حسب ما قيل ، وسيمر بأربع مراحل " كل مرحلة خمس سنوات" بأن الحكومة لن تتكبد أي دينار ، وستكتفي - كما قلنا - بمنح الأراضي بشكل مؤقت للمستثمرين لمدد طويلة تصل إلى 25 سنة وأكثر ، دون أن يقول لنا أحد : ما هي القوانين المحفزة والإغراءات والضمانات المقدمة لولوج المستثمرين إلى المشروع وشروعهم بإنشاء عمان الجديدة هذه ، فإذا كانت الحكومة وأدواتها البيروقراطية ستكون هي المشرفة على مشروع بهذا الحجم يصل في معناه ومبناه إلى ما يشبه إنشاء مدينة حديثة خارقة ، فإن ما سيصيب هذه المدينة الموعودة هو عينه ما أصاب كثيرا من المشاريع التي بدأت بمنح ووعود واستثمارات ، لتنتهي بالبحث عن ممولين ، كما وقع مع المفاعل النووي الذي انسحب ممولوه الروس ، وكما سبق وحصل مع مشاريع أخرى من قبيل سكك الحديد والباص السريع الذي تعطل مشروعه سنوات قبل أن يباشر به من جديد ولأسباب مالية ، وأيضا كما حصل مع مشاريع إسكانية وغيرها ، مع فارق المقارنة إذا اعتبرنا بأن مدينة كهذه ستكلف عشرات المليارات من الدولارات ..

وإذا كان لا بد مما ليس منه بُد ،فإن ما يفرضه هذا الأمر وجوبا هو إنشاء جهة مستقلة يكون بيدها مفاتيح مرابط القرارات الإقتصادية والمالية لمشروع كهذا يعوز إنجاحه قرار صارم بالتحرر من كل معوقات الإستثمار الماضية ونسفها من جذورها واستبدالها بقوانين وبعقول منفتحة ذكية مواكبة للعصر وقادرة على إنجاح الفكرة .

أما إذا كان القطاع الخاص سيتكفل ببناء عمارات ومقرات وبنى تحتية شاملة وطرق مواصلات حديثة وغيرها ، وسيواجه بقوانين من العصور الحجرية ، فإن أحدا لن يقدم على المغامرة ، بمن في ذلك الدول قبل الأفراد ، وهذه قضايا إذا لم تؤخذ بعين الإعتبار فإن التفاؤل بهكذا مشروع سيضرب بالصميم ، ولعل هذا اللبس وهذه التساؤلات سببها سياسة التكتم الشديد التي أحاطتها الحكومة بهذا المشروع ، لدرجة أن مسؤولا كبيرا اعترف بأنه لا يعرف شيئا عنه ، قبل ان يتدارك الأمر ويجري - لاحقا - لقاء يتحدث فيه عن الموضوع برمزية تشبه أشعار أدونيس .

وإذا سلمنا جدلا بأن كل شيء سيكون على ما يرام ، فماذا سيحل بعمان الحالية ؟؟ .

كيف ستكون عمان بدون حكومة ، ولمن لا يعرف، فإن وجود الحكومة في العاصمة هو سبب الحياة التي تدب في عمان الآن من حيث الثقل والناس والموظفين والحركة والقضاء وغيرها ، بحكم تركيبة عمان التي بنيت عليها سواء أكان هذا خطأ من الأساس أم صوابا ، ثم ما هي مكانة عمان التي ستصبح " قديمة" إذا فقدت ثقلها وحكومتها ، وماذا سيحل بأهلها ومستثمريها وتجارها وفنادقها وناسها وجامعاتها إلخ ؟؟ .

أيها السادة: إن عمان هي عمان التي تعدى عمرها آلاف السنوات ، وإذا أردتم تسمية مدينتكم الجديدة فسموها ما شئتم ، ولكن ليس عمان التي بناها العمونيون في الألف الثالث قبل الميلاد وتمتد جذورها إلى عين غزال في الألف السابع قبل الميلاد وهي نفسها فيلادلفيا الرومانية إذا كنتم لا تذكرون .

نفهم أن تبنى عواصم اقتصادية ، ولكن ليس على حساب العواصم السياسية بحيث تصبح عمان الجديدة الموعودة هي الأصل في حين تتحول عمان الحقيقية بتاريخها العتيق والعميق لمجرد مدينة كاسدة ، خاملة ، يذرع شوارعها الصمت والكآبة ، وتغطي جدرانها خيوط العنكبوت .

بالرغم من كل ذلك ، وأخذا بكل الملاحظات الآنفة ، نقول : إن مشروعا كبيرا كهذا يعتبر حلما جميلا لكل أردني ، ولكن فقط إذا تم تطبيقه وفق رؤى علمية ومدنية وقانونية بعيدا عن الحسابات الضيقة والإعتبارات البائدة .

د.فطين البداد

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات