عقوبة أخرى لشغب الجامعات

العنف الطلابي في الجامعات قتلناه بحثاً وتحليلاً، جذوراً وفروعاً وثماراً وعلاجاً. وسأقفز هنا مباشرة الى موضوع الساعة المتعلق بالإجراءات العقابية للمشاركين أو المتسببين في المشاجرات الأخيرة. هناك مطالب مفهومة ومشروعة بالصرامة في تطبيق العقوبات، وهو ما تفعله الآن الجامعات التي اتخذت قرارات متفاوتة أقصاها الفصل النهائي، وقد استبدل أحيانا بالحرمان من الدراسه لعامين.
نعم لتشديد العقوبات كواحدة من الآليات المباشرة لقمع المشاجرات وميول \"الزعرنة\" التي تتلطّى بالعصبيات القبلية والعشائرية والجهوية. لكن بصراحة فإن هذا النوع من العقوبات لا يقنعني كثيرا، لأن معناه العملي تخلي الجامعة عن مسؤولياتها، تاركة الأمر لمشكلة أكبر بالنسبة للشباب وللأهل! فماذا يعني رمي طالب شاب خارج الجامعة لفصل أو عام أو عامين طليقا متبطلا محبطا ومؤهلا لمزيد من الانحراف ونمو نوازع الشرّ لديه؟
بالطبع السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو البديل؟! قبل يومين كنت أتحدث مع رئيس جامعة اليرموك عن نوع من العقوبات المطبق مثلا في بلدان مثل الولايات المتحدّة، وهو خدمة المجتمع. فبدل التبطّل والإحباط والغضب، كنتيجة وحيدة لعقوبة الحرمان من الدراسة، يتمّ إلزام الطالب بسلوك ينضبط إليه ويظهر فيه الرغبة والإرادة في تقويم نفسه ايجابياً والخضوع للقانون والنظام بالقيام بالعمل أو الخدمة المقررة، مهما كانت \"وضيعة\". وهذه وسيلة للتثقيف والتأهيل واكتساب التواضع والمسؤولية والسلوك الإيجابي والعمل وسيلة أساسية للتقويم الاجتماعي.
هذا الحلّ لا أقترحه بديلاً للحرمان المؤقت من الدراسة، بل إلى جانبه؛ أي بدل إلقاء الطالب الى البطالة في وجه أهله يمكن إلزامه بدوام صارم، فيأتي كل صباح إلى الجامعة ويختم كرتا ويذهب إلى العمل المقرر له. ويجب أن يحصل من المسؤول عنه على شهادة حسن سلوك وانضباط في العمل كل شهر ليتمكن في نهاية الفصل من العودة إلى الدراسة. والسلوك الحسن والانضباط سيكون سببا لتقصير العقوبة وبالعكس تمديدها لتصل إلى الفصل النهائي الذي يمكن في هذه الحاله اتخاذه بضمير مرتاح، وقد سبقه اطلاع الأهل أولا بأول على سلوك ابنهم، فلا يتفاجئون بكل ما حصل، بل سيكون لديهم كل الوقت لمراقبة سلوك الابن. والمرجح أن حالات الفشل وإصرار الابن على الذهاب إلى الهاوية ستكون نادرة جدا. والعمل يمكن أن يكون خارج مرافق الجامعة، في البلدية وغيرها أو في الجامعة وفي أي مجال، بما في ذلك أعمال النظافة.
الآن هناك ضغوط وواسطات بالجملة لتخفيض أو إلغاء العقوبات. وحسب بعض الطلبة وأهاليهم، هناك شبهات بشأن سلامة وقانونية العقوبات قياسا لنوع الجرم الذي أسند أحيانا من دون أدلة واضحة. وهذا الأخير أمر يمكن مواجهته بحق الاستئناف للتدقيق في الأحكام والأدلة، لكن في كل الأحوال فإن تعديل العقوبات بالطريقة آنفة الذكر، أي ربطها بالخدمة المجتمعية، يمكن أن يضع آلية معقولة ومقبولة وصحيحة لتخفيض العقوبات في ضوء الانضباط التام بتنفيذ العقوبة الموازية أي الخدمة الاجتماعية.(الغد)