.. الزمن الصعب!

هناك نمط من الوصاية على منطقتنا لم يحدث أن مرّت بها حتى أيام الحماية والانتداب البريطاني – الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى. فقد كان هناك نوع من اللياقة في لغة الاستعمار الأوروبي، وكان هناك مراعاة لكرامة الشعوب الواقعة تحت الانتداب والحماية.. وأبرزها قرارات عصبة الأمم:
- يتم في واشنطن، مثلاً، استدعاء السفير التونسي للخارجية، ويُطلب من حكومته تخفيف إجراءاتها الأمنية ويطالب الناطق، بالمقابل، الطرف الآخر – التونسيين المحتجين – بالتعامل دون تطرف في مطالبها!!.
- وتنبّه واشنطن القاهرة إلى ضرورة حماية مواطنيها الاقباط، مع أن الولايات المتحدة التي ما تزال مسؤولة حسب قرارات مجلس الأمن، عن أمن بلد احتلته ولم تؤمن الحماية للكنائس ورجال الدين والأقليات الأشورية والمندائية واليزيدية والصائبة وغيرها.
- والرئيس أوباما يختطف من الكونغرس قرار تعيين سفيره في دمشق، لكنه يحوله إلى الجزرة والعصا معاً. في لعبة الهيمنة والاخضاع.
- ويرابط رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي في السودان، هذه الأيام، ليراقب عن كثب مجريات الاستفتاء في الجنوب، ويذكر السودان هي حكومة منتخبة.
هذه الوصاية والانتداب الأميركي، ونلمح نمطاً فرنسياً منه حين يكون الكلام عن لبنان ومسيحييه أو العراق ومسيحييه. لا يحدث في كوريا الشمالية مثلاً، ولا يحدث في أوروبا بعد مذابح الأطلسي في يوغوسلافيا السابقة، ولا في جنوب شرق آسيا، .. إنه يحدث في منطقتنا فقط. مع أن نصف الجيوش الأميركية ترابط فيها، ومع أن القواعد البحرية والجوية تتمدد في كل بقاعها. ومع أننا لا نرد للولايات المتحدة طلباً حين يتعلق الأمر بقضايا شعوبنا المُلحّة في فلسطين، أو في لبنان، أو في السودان، أو في غيرها، ونضع الأوراق كلها في اليد الأميركية. ونقبل علاقات أميركا غير المتوازنة مع إسرائيل.
نحن منطقة مطيعة. حتى حين نعارض فإننا نسمي معارضتنا الممانعة، ومع ذلك فهي تتلقى الإهانات كلما خطر لمسؤول أميركي أن يمرّن عضلات لسانه. وهذا يجعل العرب الذين يملكون الذاكرة، من الذين مروا في جحيم الانتداب والحماية البريطانية يترحمون على رئيس وزراء بريطانيا الذي كان يقول للمسؤول العربي كل شيء ما عدا كلمة لا. ويختتم رسالته دائماً بالجملة المشهورة: خادمك المخلص المطيع سيدي: ونستون تشرشل!!.
واشنطن تعتقد أن معوناتها هي التي تبرر لها الركوب على ظهورنا. والحقيقة أن كل معوناتها في القرن الماضي لا تساوي عشر معشار ما انفقته على حربها... في العراق وأفغانستان!. (الرأي)