تثبيت الخطوة الجديدة

الصيغة الأولية التي انبثقت عن لقاء وفد اللجنة الوطنية للمعلمين مع رئيس مجلس النواب، تمثل خطوة جديدة مهمة ومفيدة، أرجو أن يمسك بها المعلمون، فلا تضيع من بين أيديهم.
رئيس مجلس النواب أيّد، وفقاً للمعلومات المتاحة، مشروع إقامة اتحاد عام، استناداً لقانون وليس فقط بنظام صادر عن وزارة التربية والتعليم، وهو تطوّر مهم ورئيس في حركة المعلمين، إذ كان العرض السابق المقدّم من الحكومة أن يقوم الاتحاد على نظام، مما كان سيفقده الاستقلالية القانونية والإدارية، ويجعل مصيره في يد وزارة التربية والتعليم.
الصيغة الحالية بمثابة حل مقنع ومخرج مقبول من إشكالية "دستورية النقابة" التي وضعت كعقبة في وجه المعلمين، وهو أيضاً تحايل على "الفيتو" الرسمي غير المبرر على إيجاد شكل تنظيمي قانوني لهذه الشريحة المهنية والاجتماعية الواسعة.
العبرة بالمسميّات، وليست بالأسماء، فليست المشكلة سواء أطلق على التنظيم الجديد مصطلح اتحاد أو نقابة، طالما أنّ الأساس القانوني متين، ويضمن صلاحيات النقابة ومضامينها المختلفة، وهو إنجاز أفضل من نقابات قائمة على أرض الواقع، كما هي حال نقابات العمال، لكنها تحت الوصاية الرسمية ولا تمارس دوراً حقيقياً في حماية حقوق أبنائها المهنية، وقد مرّ قانون العمل الجديد بكل مساوئه من دون ضمان حقوق العمال.
الخطوة الحالية جيّدة، ويمكن تثبيتها كاستحقاق جديد، إذ أن رئيس مجلس النواب كان قد قرأ المزاج الرسمي والنيابي تجاه مثل هذه الخطوة، باعتبارها مفتاحاً للخروج من المأزق الحالي.
أمّا إذا وقفت أطراف ومراكز أخرى في الدولة ضد هذا الاعتراف، فإنّ رئيس مجلس النواب مطالب أمام المعلمين والرأي العام بالالتزام، شخصياً على الأقل، بما تم التوصل إليه مبدئياً.
"طبقات المزاج الرسمي" ليست جميعها مؤيدة لمنح المعلمين هذه الخطوة الحيوية. فلا أظن أنّ هنالك اتفاقاً في "مراكز القرار" على الصيغة المطلوبة في التعامل مع مطالب المعلمين وحركتهم، وقد ظهر هذا التفاوت، حتى خلال المرحلة السابقة، عندما تعددت وتباينت أساليب وسياسات التعامل معهم، ووصلت في النهاية إلى مرحلة الاستيداع والنقل العقابي، قبل أن يحدث الانفراج اللاحق، ضمن سلسلة استدارات رسمية تمت على أبواب الانتخابات النيابية لإطفاء الحرائق المشتعلة حينها.
الخطوة التالية تتمثل في أن يرمي المعلمون ثقلهم وراء هذا التفاهم، ويساهموا في رسم تفاصيل محددة تخدم التوجه نحو تعزيز صلاحيات الاتحاد ودوره وقدراته في حمل مصالح المعلمين والدفاع عنها خلال المرحلة المقبلة.
الخشية، بصراحة، أن يفقد المعلمون هذه الخطوة تحت وطأة التنافس الداخلي بينهم، فيعودون لنقطة الصفر. على المعلّمين، كأولوية ملحة، ترتيب بيتهم الداخلي، والتوافق فيما بينهم على تقدير الموقف فيما يمكن أن يحققوه فعلاً، خلال المرحلة الحالية.
العبرة الحقيقية، فعلياً، ليست في الحصول على اسم النقابة أم لا، بل في مدى قدرة المعلمين على إدامة زخم حركتهم وتصميم اتحاد يلبي مطالبهم ومصالحهم، ومنحه قوة وزخماً سياسياً في المشهد العام، وعدم الانجرار وراء النزاعات الداخلية والمزايدات بين اللجان المختلفة، التي قد تذهب بـ"الجمل وما حمل" في نهاية اليوم، طالما أنّ الخطوة التي قدّمها رئيس مجلس النواب لم تتثبّت بعد.(الغد)