الخروج من حالة الاستنقاع

قد يكون صحيحا ما ينسب الى وولفويتس الذي قدم للادارة الامريكية عام 1979 وهو عام حاسم بما زخر به من احداث وصفات نموذجية لاسقاط نظم ودول سواء من الخارج عن طريق الغزو المسلح أو من الداخل عن طريق الافساد والتفكيك ، لكن مثل هذه الاستراتيجية لا تولد في فراغ ولا تتوجه الى نظم متماسكة أو دول استطاعت ان ترسخ وجودها ديمقراطيا لأن مثل هذه الدول تدافع عنها شعوبها بعكس الدول الاخرى التي تصفق شعوبها للاحتلال والغزو وكأنها زوجة مظلومة لا حول لها ولا قوة وتنتظر من يطرق الباب كي يحررها،
والعالم العربي رغم حالة الاستنقاع المزمنة لم يكن ذات يوم عاطلا عن الحراك ، لكن بنسب متفاوتة ، وبأدوات قد تكون بدائية وبمبادرات فردية تشبه موجات البحر التي ما ان تقترب من الشاطىء حتى تعود فهي محكومة بالتعاقب لكن بعدم الوصول الى الهدف،
وكان أمام الدول العربية عدة فرص لاستدراك أوضاع قابلة لمزيد من التردي والتفاقم ، لكن هذه الفرص ليست كما يتصورها البعض من قصار النظر ، مجرد جرعات من التخدير المؤقت ، لأن مثل هذه الجرعات سرعان ما تفقد صلاحيتها ونفوذها ، ولكي يستمر التخدير على الوتيرة المطلوبة يجب ان تضاعف الجرعات،
ولو شئنا الحقيقة أو ما يتاح لنا منها فان النخب العربية منذ تشكل الدول المعاصرة بُعيد الاستقلال كانت سلالتين ، واحدة تحترف التبرير والتزوير والتمرير دفاعا عن امتيازاتها وبمعزل عن اية مسؤولية وطنية ، والثانية اختارت منهجا مضادا فتجاوزت ببسالة وايثار مصالحها وبدأت تفكر بمستقبل الامة ، وكان عليها ان تبدأ بقراءات نقدية للمشهد كله ، بأبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية ، لكن هذا التوجه سبب صداعا لمن فضلوا اغلاق الابواب والنوافذ أمام الريح كي يستريحوا ، وهكذا ذهبت صيحاتهم سدى ، انهم الدليل الذي لا يكذب أهله ولا يضللهم بعكس من جروا دولهم وشعوبهم الى شعاب مليئة بالكمائن ، وباختصار كانت النخب الباحثة عن مكاسبها على حساب البلاد والعباد أشبه بالدب الذي رمى حجرا على وجه صاحبه كي يخلصه من ذبابة تحوم على أنفه.. رغم ان الدب المسكين فعل ذلك بنية مختلفة وليس بذرائعية وميكافيلية المثقف الانتهازي ، وكانت النتيجة ان الرجل مات لأن الحجر شج رأسه.. أما الأدهى من ذلك وأمر وربما ادعى الى الضحك من فرط البكاء فهو ان الذبابة نجت وفرت.
ما من عاقل يبرىء وولفويتس وسائر الفريق الشاهد على تدمير وتفكيك هذه المنطقة من برامج واستراتيجيات حاذقة ، لكن هؤلاء يبحثون اولا عن البيئات المناسبة ، ومثلما يعرفون من أين تؤكل كتف هذا البلد أو ذاك يعرفون ايضا عقب آخيل الذي يعاني منه هذا البلد أو ذاك ، ثم يأخذون بتوسيع الثقب حتى يتحول الى قبر جماعي..
ان أكثر من ثلث مليار عربي يكابدون كل هذا الشقاء بمختلف محاصيله المرة لن يكونوا مجرد قطعان تعيش بالخبز وحده ، هذا اذا استطاعت الحصول على الخبز ، والانسان هو الكائن الوحيد الذي لا يتنازل عن حريته من أجل رغيفه،،(الدستور)