ما بعد كلام الملك

كالعادة، كانت كلمة الملك هي الفصل، حين انتصر للناس وقدم الجانب الانساني على الأرقام الصماء التي ما كفّت الحكومات تتحدث عنها مغفلة التبعات السلبية لسياساتها.
ولا أعرف كم كان مسؤولونا سينتظرون حتى يتخذوا إجراءات سريعة للتخفيف من حالة الاحتقان وعدم الرضا التي بلغها المجتمع نتيجة الارتفاعات الجنونية في الأسعار من دون رقابة فاعلة وآليات حقيقية لكبح جماح الأسعار.
ولولا حديث الملك وتوجيهاته لظل المسؤولون ماضين في سياستهم وفي تكرار سيمفونية "الظروف الصعبة" التي تفرض عليهم اتخاذ "قرارات صعبة" تمس حياة الناس وتستنزف مداخيلهم، الأمر الذي يؤكد أن مجسات إحساس الحكومة بحال الناس كانت ضعيفة.
اليوم وبعد كلام الملك وانتصاره للفقراء نجد أن قريحة المسؤولين تفتحت حول آليات التخفيف عن الناس وسبل تحسين مستواهم المعيشي. وشملت حزمة القرارات إعفاء مادتي الكاز والسولار والبنزين أوكتان 90 من ضريبة المبيعات الخاصة حتى نهاية العام 2011.
وسيؤدي إلغاء الضريبة البالغة نسبتها 6 % إلى انخفاض سعر تنكة الكاز والسولار 60 قرشا، في حين سيتراجع سعر تنكة البنزين 70 قرشا.
وتبلغ كلفة إلغاء الضريبة على الخزينة 69 مليون دينار سنوياً، ودعم المؤسستين المدنية والعسكرية بمبلغ 20 مليون دينار لتثبيت أسعار السلع الأساسية.
الحكومة، وبعد أن أصــغت إلى كلام المــلك، تسعى لتخصيص 20 % من التعيينات في وزارات الصحة والتربية والتعليم والتنمية لحملة الدبلوم من أبناء المناطق الأقل حظا من خريجي ما قبل العام 1995 لتخفيض معدلات البطالة في هذه المناطق.
وللحق كانت الاستجابة الحكومية لتنفيذ توجيهات الملك فورية، كما اقتضت التوجيهات الملكية، لكن ما قررته الحكومة لا يتعدى كونه وصفات تسكين وترطيب وليس علاجا حقيقيا للأزمة الاقتصادية التي تلم بالاقتصاد وتأتي على الناس ومداخيلهم، بمعنى أنها لم تكن فاعلة!!
الإجراءات الرسمية التي اجتمع لأجلها مجلس الوزراء لساعات طويلة أمس قد تسهم بتخفيف الحالة خلال العام الحالي، بيد أن السؤال الأهم ماذا بعد العام 2011، وكم ستبقى هذه الحلول صامدة في وجه تحديات جديدة قد تظهر، ومصاعب لا تتوقف نتيجة عوامل داخلية وخارجية.
وليس تقليلا من شأن ما قامت به الحكومة، الا ان درجة السوء التي بلغها الوضع الاقتصادي لن تجدي معها مثل هذه الاجراءات نفعا، والدواء الحقيقي لدائنا الاقتصادي لن يكتمل من دون التركيز على زيادة معدلات النمو والسعي لتحقيق التنمية الشاملة التي تتطلب جذب الاستثمار، وهذا ليس متوفرا في المدى المنظور.
الجزء الثاني من وصفة العلاج يتطلب اتخاذ قرار شجاع وقابل للتنفيذ عبر وضع نظام جديد للمشتريات وتعليمات مبتكرة للعطاءات الرسمية لوقف هدر مئات الملايين من الدنانير.
أما الحديث عن تقليص كلف السيارات وفاتورة الخلوي والهاتف الأرضي والقرطاسية فلا يجدي نفعا ولا يشفي من المرض العضال الذي بلغته الحالة الاقتصادية.
الحلول الجذرية تقتضي تفعيل وتقوية دور مؤسسات مكافحة الفساد، وهي كثيرة، لكن دورها لا يتعدى المحاسبة بعد وقوع البلاء؛ اذ لم نسمع أن إحدى هذه المؤسسات منعت قضية فساد، بل إن دورها مقتصر على التحقيق اللاحق وليس الحماية المسبقة.
طالما بقينا نماطل ونلتف على المشاكل الحقيقية، سنظل ندور في ازمتنا الاقتصادية، وستظل مناعة الاقتصاد ضعيفة في وجه التحديات الخارجية، فتقوية الاقتصاد والارتقاء بأحوال الناس مرهونان بتوفر الارادة في إقامة مشاريع حقيقية منتجة تسهم بزيادة الصادرات وتحديدا المشاريع ذات القيمة المضافة.(الغد)