اعتراف زين العابدين قبل سقوطه

تم نشره السبت 15 كانون الثّاني / يناير 2011 12:03 صباحاً
اعتراف زين العابدين قبل سقوطه
طاهر العدوان

في غمرة تنازلاته للجماهير التونسية الغاضبة, قال بن علي انه كان لا يعلم بما آلت اليه الأمور وان اعوانه كانوا يخفون عنه حقيقة الاوضاع في بلاده. ومثل هذا الاعتراف الذي يأتي "بعد خراب البصرة" وسيل الدماء البريئة في شوارع المدن التونسية يبدو مأساوياً بل انه تراجيدي يصلح للتمثيل على المسرح الوطني في تونس الواقع في شارع بورقيبة.

كيف يتأتى ان رئيس دولة يحكم منذ 23 عاماً يجهل ما يجري بين شعبه وفي الشوارع القريبة من قصره في قرطاج. قد يقول قائل ان هذا مجرد ادعاء من زين العابدين الذي كان يبحث عن أية ذريعة تساعده على تهدئة الثائرين عليه. لكن هذا لا يهم اذا ما اردنا استخلاص العبر. لان هذا الاعتراف لرئيس اسقطه الشعب يعيدنا الى الدور الخطير الذي تلعبه "بطانة الحاكم", لانها قد تقوده الى السقوط في الهاوية وهذا ماكانت عليه امس خاتمة "الآلة الجهنمية للطغيان" كما وصفها احد التونسيين لحكم بن علي.

يُروى عن الامام ابن تيمية انه سئل, اذا كنت تملك دعاءً واحدا الى الله سبحانه وتؤمن بانه تعالى سيستجيب اليه فبماذا تسأل الله, فقال الامام: ادعو الله ان يرزق الحاكم بطانة صالحة..

قبل سنوات دُعيت الى تونس لحضور مؤتمر للحزب الدستوري, وتحت وقع النشيد الوطني التونسي الزاخر بالمعاني النبيلة التي تحرك المشاعر بحنجرة آلاف التونسيين من حزبيين وعمال منح الرئيس فترة انتخابية جديدة في ظل خطابات تمجيد, تعتقد وانت تسمعها بانه يجلس متربعا في قلوب التونسيين وخلف ضلوعهم.

تذكرت ذلك المشهد وانا اتابع سيل الصور المتدفقة من شوارع تونس وهي تمثل جماهير الشعب الثائرة بكل فئاته من اساتذة الجامعات والصحافيين والحزبيين وزعماء اتحاد الشغل, وهم يطالبون بالحرية ووضع نهاية لعهد القمع, فلم اجد ان هذه الجماهير تنتمي الى بن علي وعهده ورئاسته على مدى ربع قرن, انما هي في كل ذرة منها تستعيد روح ابي القاسم الشابي واشعاره التي اعطت للغة العربية قاموساً من الكرامة وتقديس الحرية..

لم يكن هناك وقت امام بن علي لتعويض التونسيين عن غفلته عن واقع شعبه لان بطانته ومستشاريه اخفوا عنه الحقائق... لكنه باعترافاته يقدم للانظمة العربية من المحيط الى الخليج درسا مفيدا, وهو ان لا يستبدلوا نصائح وقرارات المستشارين والمقربين بالمؤسسات الدستورية فهذا لا يفيد في عصر المجتمع المدني والدولة الحديثة وفوقهما العولمة وتأثر الشعوب والحضارات بعضها ببعض.

من دون بناء دولة المؤسسات التي تتنافس فيها الحكومات مع المعارضة على وضع الخطط, ومن دون برلمان ديمقراطي يحاسب ويراقب ويسائل, ومن دون قضاء مستقل, فإن الاعتماد على "البطانات" لا يحمل في طياته غير الرشوة والفساد والتسلط والقمع.

يقول المفكر الاجتماعي الامريكي اهرنبرغ " اذا لم توضع السلطة تحت المحاسبة فانها سرعان ما تتحول الى سلطة شريرة" وهذه هي خلفية سيرة حكم بن علي في تونس الخضراء.(العرب اليوم)

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات