قناطير من العلاج العقيم!!

لم يكن منطق الوقاية او العلاج الاستباقي لما يعانيه العرب من امراض سياسية مزمنة ، واستنقاع اجتماعي في صميم الثقافة التي سادت في العقود الماضية ، لهذا لا يستيقظون من سباتهم الا بعد ان تقع الفأس في الرأس ، او يسبق السيف العذل كما قال اجدادهم،
لقد تـُركت امور عديدة تأخذ مداها حتى النهايات غير السعيدة في حياتنا العربية - وكان المنطق الاخرق المضاد والبديل لمنطق الوقاية هو السائد ايضا ، ما دام التأجيل والمماطلة هما وصفة نموذجية للتخلص الآني من الصداع ، وهناك عبارة لخصت هذه الثقافة الضريرة هي ما يقع من السماء تتلقاه الارض لكن ما وقع من السماء او ما اندلع من الارض لا يتلقاه غير المعذبين ، ضحايا الفساد والذرائعية والفهلوية ، وهذه آفات تتغذى على ما يبدو من مبيداتها كالذباب الذي اصبح يسمن ويتلذذ بالدي ، دي. تي بعد ان ادمنه وتأقلم معه فاضطر من يقاومونه الى اسبتدال الدواء،
ان من يعيشون حياتهم يوما بيوم واحيانا من وجبة الى اخرى لا يعرفون ما الذي تعنيه كلمة استراتيجية او المستقبليات في بعدها العلمي وليس في ذلك البعد الخرافي الذي يترسب في قيعان فناجين القهوة او خطوط الكف.
ما الذي يمكن للفقر عندما يتفاقم ويصبح ادقاعا واعداما غير العنف ، والعمى والعصاب وبالتالي الارتهان للمعدة والاحشاء بحيث يصبح الرغيف اغلى من وطن ورطل اللحم اغلى من الكرامة؟
ان التاريخ لا يقبل التضليل ، لهذا فهو كالقانون لا يحمى من يحملونه ، لهذا تتراكم المديونيات على كواهل من توكلوا ولم يعقلوا ناقة او بعيرا ، بحيث يصبح استدراك ما تبقى مستحيلا ، واذا كان للفقر محاصيله المرة فان التجهيل له ايضا نتائج لا يحصيها حاسوب من يمارسونه ويحولونه الى عصي في دواليب العجلات ، كي لا يكون هناك ما هو افضل من الكائن ، رغم ان بقاء الحال من المُحال بكل معايير الدنيا والتاريخ والطبيعة.
كان أمام العرب منذ أكثر من نصف قرن أن يروا الواقع كما هو وليس كما يريدونه أو يتخيلونه ، ولو فعلوا لما تداعت الأمور على هذا النحو بحيث أصبح تجنب الارتطام بجبال الجليد صعبا وبحاجة إلى ما يشبه المعجزة ، فما من نتائج بلا مقدمات ، وما من انفجار للأزمات على اختلاف أنماطها بمعزل عن التوتير المتفاقم ، والاهمال القصدي او اللامبالاة.. فمصيبة من يدرون اعظم من مصيبة من لا يدرون ، لان من يزعمون الدراية لم يفعلوا شيئا للحيلولة دون الاقتراب من الهاوية ،
«البقية ص5»
لقد سقطت دول وتشردت شعوب ودمرت منجزات بسبب غياب ثقافة الوقاية ، او التلقيح المبكر ضد اوبئة فتاكة اكثر من السل والايدز والكوليرا هذه الاوبئة ليست عضوية ، بل هي من صميم السياسة والاقتصاد والحراك الاجتماعي بكل ما تعج به هذه الحقول من فساد تحول الى مؤسسة مضادة.
ولا ندري ما الذي ينتظره عرب هذه الالفية التي دشنت القرن الحادي والعشرين بتهميشهم ومحاولة حذفهم كي يعيدوا النظر في كل ما اعتقدوا بانه الصواب المطلق. فالاخطاء التي تخصص فقهاء الاسترضاء والنفاق في تبريرها تضخمت وتحولت الى خطايا عصفت بكل ما هو حيّ ، ولم يسلم من اعصارها حتى الموتى الذين منهم من قتل مرتين،
ان الشعوب التي تصاب احيانا بنوبات غيبوبة استلهمت من خالقها ما يجعلها تمهل ولاتهمل لهذا ما من سبيل لاستدراك ما تبقى غير اعادة النظر في ثقافة التبرير الموسمي وفلسفة اللامبالاة التي تتلخص في تلك العبارة الصفراء وهي ما يسقط من السماء تتلقاه الارض،،(الدستور)