التونسة.. قليلاً من التواضع لتعلم الدروس البليغة

نحتاج إلى قليل من التواضع حتى نتعلم في عالم العرب، مجتمعا ودولة، من الدرس التونسي. فبعد أن كنا نقدم نماذج كارثية في اللّبننة والصوملة والعرقنة، صار لدينا نموذج جدير بالاحترام نقدمه للعالم؛ التونسة. ونحن بحاجة لنتعلم من ذلك الجيل الذي يذكّر بجيل انتفاضة 1987. فالذين نشؤوا في ظل القمع المنهجي المدمر منذ 23 عاما، أسقطوا الديكتاتور من دون التورط بعنف أو إرهاب أو عمالة للخارج، ولم يتحملوا منّة أحد بل منّوا علينا بصبرهم وجهادهم وذكائهم وتضحياتهم.
الدرس الأول، ثقافة الأمل وعدم الاستسلام لليأس. عندما اتصلت بالشيخ راشد الغنوشي مهنئا برحيل الديكتاتور ذكرني بقوله تعالى "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم كذبوا جاءهم نصرنا". لقد نجح بن علي من خلال آلة أمنية رهيبة في تهجير القوى السياسية النظيفة وتدمير ما بقي منها قتلا وسجنا واغتصابا (بالمعنى الحرفي) وحصارا، والأسوأ من ذلك عمليات واسعة النطاق في شراء النخب، والتي جعلت إرثها الفكري والسياسي ذخيرة في مدفعيته الثقيلة التي دمرت المجتمع. من تحت الرماد أينع جيل الياسمين، مبشرا بآمال تبدد سحب اليأس والإحباط التي تتبلد في سماء العرب.
الدرس الثاني، الانهيار التام لمنظومة الأمن التقليدية. فالمواطنون هم من يلقون القبض على مدير الأمن الرئاسي الهارب علي السرياتي، وبقايا جهازه الفاسد، التي أصرت حتى بعد انهياره على سفك الدماء وترويع الناس ووممارسة السلب والنهب والسطو بشكل دموي. وطبعها في النهاية غلب تطبعها مع واقع الثورة.
الدرس الثالث، الدور الحاسم للإعلام الجديد. فتونس بلد مسوّر ومحصن في وجه الإعلام التقليدي، ومعظم وسائل الإعلام التلفزيونية كالجزيرة والـ"بي بي سي" و"سي أن أن" وغيرها لم يكن لها مكاتب عاملة في تونس، وحتى إن سمح فبقيود صارمة ورصد أمني على مدار الساعة. الذي كسر الحصار هو فيديو الهواتف الجوالة الذي وجد سبيله للنشر في مواقع "يوتيوب" و"فيس بوك" وغيرها. وبفعل الإعلام الجديد تمكن الإعلام التقليدي من متابعة الحدث بشكل أكثر انتشارا من الإعلام الجديد، وعمليا سقط النظام إعلاميا قبل أن يهرب الرئيس المخلوع.
الدرس الرابع، أن الرهان الحقيقي للدولة والمجتمع هو الداخل. فالخارج عاجز عن خلع نظام ولو عارضه، كما حصل بعد انتخابات نجاد، قدر عجزه عن حماية نظام ولو حالفه، كما حصل مع شاه إيران من قبل، وتكرر مع بن علي لاحقا. فقد ظل بن علي رغم سجله الدموي يحصل على علامات تقدير عالية من الغرب بسبب "إنجازاته" في محاربة التطرف والإرهاب وتحقيق نمو اقتصادي (تبين كم هو وهمي!). وخلال ثورة الياسمين لعبت أميركا أوباما وفرنسا وغيرهما من دول غربية دور المتواطئ وغاض الطرف. وببساطة، يمكن المقارنة بين موقف الخارج أميركيا وأوروبيا وحتى عربيا مما حدث في إيران بعد الانتخابات وكيف احتضنت الاحتجاجات سياسيا وإعلاميا، في المقابل احتضن بن علي إلى أن تأكد سقوطه، ولم يجد بلدا غربيا يرحب به.
لا تتوقف دروس الثورة المدرسة، المهم أن يمتلك العرب فضيلة التواضع ليتعلموا، والمؤكد أنهم ليسوا بحاجة لدروسنا.(الغد)