جمهورية البوعزيزي!!

احدى الجمهويات الفرنسية ذات يوم الى دراينوس ، رغم انه يهودي اتهم بالخيانة لصالح الالمان على حساب الفرنسيين عندما كان مجندا في جيشهم ، واطلق ايضا اسم جمهورية فيشي على تلك المنطقة الجنوبية في فرنسا عندما خان المارشال بيتان اهله وبلده اثناء الاحتلال الالماني النازي لفرنسا.
لكن الجمهوريات لا تقترن فقط بهؤلاء ، حيث هناك نماذج مضادة تنسب اليها الجمهوريات والكومونات في مراحل معنية ، وقد يطلق المؤرخون في المستقبل على الجمهورية التونسية في مطالع هذا العام اسم جمهورية البوعزيزي ، الشاب الجامعي الذي احرق نفسه احتجاجا عندما منع حتى من العمل بائعا متجولا للخضروات ، بالطبع ما من سبب واحد لاي حراك انقلابي في العالم ، لكن هناك ما يشبه القشة التي تقصم ظهر القافلة كلها وليس بعيرا واحدا فقط ، واحيانا تتحول اسماء اشخاص في التاريخ الى يافطات او اسماء حركية لمراحل في التحول ، ولم يكن يخطر ببال هذا الفتى انه يعطي لاسطورة العنقاء بعدا تاريخيا وواقعيا ، فمن رماد هذا الطائر الاسطوري يتخلق طائر اخر يحلق عاليا واحيانا يتشكل من رماده كائن نوراني ، فاي ثمن باهظ هذا؟ اذ على الانسان ان يحترق كي يضيء؟
ويبدو ان ظاهرة العنقاء هذه لن تتوقف عند بلد ما او مدينة ما ، فقد تكررت عدة مرات في العالم وان كان الشمال العربي الافريقي الان هو مسرحها بامتياز.
بالطبع لم يحرق هذا الشاب نفسه من اجل رغيف او حتى وظيفة ، فهذه ليست اسبابا كافية للانتحار ولا بد لها ان تتصعد وتصبح ذات دلالات رمزية وجماعية كي تؤدي وظيفتها التاريخية ، ومن يرددون الان ابياتا شهيرة من ارادة الحياة لابي القاسم الشابي ومنها اذا الشعب يوما اراد الحياة ، فهم لا يتذكرون ان هذا الشاعر الذي مات وهو دون الخامسة والعشرين كان قد قال مخاطبا بلاده،
انا يا تونس الجميلة في لج الهوى
قد سبحت اي سباحة
شرعتي حبك العميق
واني قد تذوقت مُره وقراحه
لا ابالي وان اريقت دمائي
فدماء العشاق دوما مباحة
لكن من هو الذي يستبيح دماء العشاق؟ هل هو الطغيان ام نسيان حقوق الادميين في الحياة؟ ام زفير الكراهية المبثوث في فضاءات خانقة؟
ان جمهوريات عصرنا لها اسماء اخرى ، رمزية وقابلة للتأويل في المستقبل كما لو انها نصوص خالدة،
ذات يوم تشكلت عنقاء الحرية من جان دارك الفرنسية ، مثلما امتلأت الافاق في هذا الشرق الحزين لعنقاوات احترقن ثم تحولن الى طيور تنقر السماء بحثا عن فجر مؤجل او ممنوع،
وسواء كانت هذه الجمهورية باسم البوعزيزي او اي فتى او فتاة ممن قضوا في الشوارع وسال دمهم راسما اشارة استفهام لاتجف ولا تمحى بان التاريخ رغم ثقله وواقعيته الصلبة يبقى قابلا لان يتقطر ويشف ويصبح مجالا بالغ الحيوية للترميز والاستلهام ، فخيط الدم المضفور بخيط الدمع لم ينقطع منذ اول لا حتى اخر حريق،،