نواب عرفيون
مع الوقت كان يمكن أن نتجاوزَ مسألةَ منحِ الثقةِ من قبل 111 نائبا للحكومة، لو أنّ النوابَ قدموا أداء راقيا، ينتصرُ للناس وحقوقهم ويدافعُ عنهم لحمايتهم من سياساتٍ اقتصادية أضرتْ بهم على مدى سنوات طويلة مضتْ.
ولو أنّ ممثلي الشعب انحازوا لقواعدهم الانتخابية وسعوا لتحقيق مصالحها والتخفيف من الأعباء التي يتعرض لها المواطن لكان هينا البدء برسم صورة مشرقة لمجلس النواب في البال.
وكان ممكنا أن نغض الطرف عن الملاحظات التي وجهت من قبل العديد من مؤسسات المجتمع المدني ومركز حقوق الإنسان الوطني حيال الانتهاكات التي تمت خلال العملية الانتخابية، لو لم يؤجل النواب جلسة مناقشة الأسعار وبحث كلف المعيشة التي ترهق الناس.
بيد أن أداء بعض النواب يقف في وجه تغيير الانطباع السلبي تجاه هذه المؤسسة الوطنية التي يتطلب دورها الأساسي والمبدئي أن تتخذ مواقف مناصرة للشعب والمقترعين الذين أوصلوهم للجلوس تحت القبة.
لكن ما يحدث تحت القبة، وأسلوب تعاطي النواب مع المسائل التي تهمّ الناس يؤكد عدم إدراك بعضهم لدورهم الفطري والطبيعي الذي يقتضي أن ينتصروا للناس لا للحكومات والمسؤولين.
أول من أمس، وخلال اعتصام أحزاب المعارضة والنقابات أمام مجلس النواب أتى النواب بعدد من المسلكيات التي تقلل فرص المجلس في تحسين صورته في أذهان الناس.
ومن أبرز ما حدث، عدا التواطؤ مع الحكومة من خلال السعي لتأجيل بحث قضية ارتفاع الأسعار التي تهم المجتمع وتمس حياة الفرد، تم تمزيق مذكرة تقدم بها عدد من النواب احتجاجا على الهتافات التي انتقدت أداء المجلس، الأمر الذي يعكس عقلية لا تقبل النقد وترفض الرأي الآخر.
فإذا كان ممثلو الشعب يرفضون نقدهم والتعرض لمواقفهم، رغم أنهم إفراز ديمقراطي (كما يفترض)، فهل لنا أن نطلب من الحكومة ذلك؟، فالأصل في الأشياء أن يتسم نوابنا بسعة الصدر، لا سيما في ظل حالة الاحتقان الشعبي وتوالد الشعور بعدم الرضا عن السياسات الحكومية.
وأغرب من ذلك الطريقة التي تعامل بها أحد النواب مع المعتصمين حين قدم لهم "سندويشة" كانت بحوزته كتعبير عن استجابته لمطالبهم بضمان لقمة العيش وتخفيض الأسعار.
وكان الأولى بنوابنا الـ 120 أن يقفوا صفا واحدا مع المعتصمين لتقوية موقفهم في الضغط على الحكومة من أجل تغيير نهج عملها الذي يهمل كل الحلول العميقة للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد وتتبنى دائما خيار جيب المواطن لحل مشاكلها المالية.
لكن ما يأتي به النواب ليس مستغربا في ظل قانون الصوت الواحد ودوائره الفرعية، ما يدعو بجد إلى وضع قانون انتخابات عصري يحقق الإصلاح المنشود، ويقدم تمثيلا عادلا يعكس تطلعات المجتمع ويكون حجر أساس متين في عملية الإصلاح الشامل.
ما تزال الفرصة قائمة والأبواب مفتوحة للنواب لتغيير الصورة النمطية في عقول الناس حول مؤسستهم، وتحسين الأداء النيابي مهم ليرتقي إلى مستوى التحديات التي تواجه البلد محليا وإقليميا.
وعلى النواب أن يعلموا أنهم ممثلو الشعب وليس الحكومة، وعليهم أن يتوقفوا عن لعب دور المدافع عن السياسات الحكومية.(الغد)