لا تشبهنا لكنها تلهمنا

حرصت أصوات رسمية ونيابية وإعلامية على استنكار أي تشبيه للأردن بتونس، وأي احتمال لتكرار السيناريو التونسي. لكن لا أحد يستطيع أن ينكر كم كانت انتفاضة الشعب التونسي ملهمة للشارع وللحكومة، وكيف شحنت أحداث تونس الإرادة الشعبية، وكيف أوقدت الحساسيّة الحكومية. وكانت النتيجة موجتين من القرارات لتخفيف العبء عن الناس.
أمّا مجلس النواب، فما كان بحاجة لأي شحن إضافي بعد الحملة القاسية التي دهمته وهو في مطلع عهده بسبب الثقة العالية للحكومة. ومن دون أي مبالغة، فقد كان المجلس جاهزا ومتحفزا لطرح الثقة في الحكومة إذا لم تتجاوب بإجراءات قويّة. ومن جهتي، فقد كنت متأكدا أن جلسة الخميس المشهودة لن تمرّ من دون قرارات جديدة. وكانت الحكومة قد أخذت تتهيأ لذلك بمشاورات مع قادة كتل نيابية وفاعليات أخرى حول ما يمكن عمله، وكان الرأي النيابي الغالب يرى رفع الرواتب، وهو كان بالفعل القرار الأول الذي أعلنه رئيس الوزراء في ختام جلسة الخميس، إلى جانب قرارات أخرى تصل كلفتها مع برامج الدعم والقرارات التي أمر جلالة الملك بها إلى أكثر من 400 مليون دينار، منها 160 مليون دينار كلفة الزيادة الجديدة التي شملت رواتب وتقاعدات الجهازين العسكري والمدني وجميع المؤسسات العامّة والبلديات.
السيناريو التونسي قابل للانتقال إلى الجمهوريات الوراثية، حيث النسخ المكررة عن الرئيس بن علي وأقاربه وأصهاره وأنسبائه الذين يحميهم ويحمي فسادهم التسلط الأمني والاستبداد تحت يافطة ديمقراطية مغشوشة واجهتها العلنية طبقة من كبار الموظفين والتكنوقراط وسياسيون منافقون ومستفيدون. وتقديري أن اليمن ومصر أقرب الدول إلى حافة البركان، لكن دروس الدول والثورات تقول أيضا إنه ليس من تغيير يشبه آخر، وليس هناك من ثورة إلا وتكون مفاجئة في توقيتها وأحداثها، ولكن في كل مكان تنبري الأصوات لنفي التشابه مع تونس وأي احتمال لتكرار نفس الأحداث، والخشية أن هذا القول يضمر سلفا رفض استلهام الدرس التونسي وضرورة الاستباق بالإصلاح والتغيير.
ولحسن الحظ فتونس بلد متقدم ومجتمع متجانس أمكن فيه الإطاحة بالسلطة الديكتاتورية من دون أن تنهار المؤسسات وتتفكك الدولة وتتفسخ البلاد، وها نحن نشهد ثبات المؤسسات العسكرية والمدنية مع الانتقال السلس الى الديمقراطية تحت حراسة جمهور متيقظ. لكن في بلدان أخرى إذا تأخّر الإصلاح واستمرّ نظام الرئاسة المؤبدة والتوريث والاستبداد، فالله وحده يعلم متى وكيف ينفجر الوضع وأي مصير ينتظر البلاد.
بالنسبة للأردن، فالإصلاح السياسي بات بندا ثابتا ومحسوما على أجندة الحكم والحكومة، لكن من المفارقات أن المجتمع في تونس وتعبيراته السياسية والحزبية أكثر تقدما بما لا يقاس من الأردن، وكان العكس صحيحا بالنسبة للسلطة والبنية الفوقية. ولذا، فالإصلاح السياسي عندنا يتعلق بتطوير البنية التحتية السياسية؛ المجتمع وأدوات تعبيره ووسائل مشاركته، بنفس القدر وأكثر مما يتعلق بتطوير البنية الفوقية.(الغد)