أرملة زعيم!

تحية كاظم ، اسم عرفه الناس لفترة طويلة ولم يكونوا قد رأوه ، فالسيدة ارملة الزعيم ، كانت ربة بيت اولا ، وزوجة ضابط حالم في الجيش وأماً لأولاد وبنات لم يكن الاب يجد الوقت حتى للجلوس معهم ، وفي مذكرات السيدة تحية ارملة عبدالناصر قد لا يجد المتابع لنشرها مواقف دراماتيكية مثيرة ، رغم انها تعترف ببراءة بتلك الاخطاء البروتوكولية التي ارتكبتها بسبب قلة الخبرة ، ومنها انها ذات يوم صافحت المترودوتيل قبل ان تصافح الرئيس تيتو ، وكان اول عشاء تناولته كزوجة رئيس مع الامبراطور هيلاسي لاسي.
وتقول السيدة تحية ان حضور مآدب العشاء الرسمية كانت تصيبها بأمراض تحير الاطباء لأنها كما يبدو لم تكن قادرة على التأقلم مع عالم لم تنشأ فيه ، وبقيت الفطرة لديها اقوى من اي مكتسب اجتماعي او دبلوماسي،
داعبها عبدالناصر قائلا للمشير عامر بأن تحية من الانفصاليين وانها ضد الوحدة بين مصر وسوريا.
ومن المعروف ان ارملة الزعيم كانت تحتفظ بمذكراتها قبل رحيلها وقبل موعد نشرها بزمن طويل ولم يكن الابناء قد افرجوا عن هذه الوديعة الا مؤخرا ، ولم تقل السيدة تحية أنها المرأة التي وقفت وراء رجل عظيم او الى جانبه فهي ليست جوزفين بالنسبة لنابليون أو ايفا براون بالنسبة للفوهرر ، مجرد سيدة من الطبقة الوسطى ، بقيت التقاليد الاجتماعية وطقوس العائلة بالنسبة اليها مقدسة شأن ابناء وبنات هذه الطبقة ، التي بدأت تنقرض في عالمنا العربي وثمة كتاب وعلماء اجتماع ألفوا كتباً في وداعها.
بالطبع لا نستطيع ان نقول رأياً شاملاً في مذكرات ارملة عبدالناصر الا بعد الفراغ من قراءتها والقراءة محكومة كالعادة بمسلسل النشر.
لقد سمعت حكايات مثيرة عن بساطة هذه المرأة من اناس اقتربوا بهذا القدر أو ذاك من عبدالناصر ، لكن المذكرات تفرض علي اعادة النظر في معظم ما سمعت ، والارجح ان هناك أناسا ما ان يرحل الزعيم الذي اقتربوا منه حتى يعيدوا انتاج مرحلته كلها وهم يتنافسون على ابتكار الحكايات التي تبرهن على قرب احدهم اكثر من الآخر وعلى كونه يعرف بالجهلة الآخرون.
والنساء اللواتي كتبن مذكرات يتجاوز عددهن الحصر ، من رئيسات ووزيرات وسفيرات وروائيات وشاعرات وناشطات في مختلف المجالات ، لكن ما كتبته نساء من طراز السيدة تحية يبقى في مكان آخر وبدافع مختلف ، فالسيدة لا تزعم بأنها غير عادية أو ان دورها كان عظيما في حياة الزعيم ، الذي كان لعقدين على الاقل يملأ الدنيا ويشغل الناس ، حتى بعد موته تحول موته المفاجىء الى سؤال لم يجد اجابة شافية بعد.
ان كتابة المذكرات لدى رجل او امرأة وفي مختلف ميادين التخصص هي اختبار حقيقي للنزاهة ومنسوب الموضوعية والاحساس بالعدالة ازاء الآخرين.
فثمة من كتبوا مذكرات حولتهم الى طواويس بحيث يكون ثلاثة ارباع الحجم من الريش الملون المنفوش. فاخترعوا احداثا واعادوا تأليف طفولات ومراهقة ، ومنهم من حول نفسه الى محور للكون وكأن الشمس في زمانه لم تكن تشرق الا من اجله ، مقابل أناس آخرين اكثر تواضعا ومن هؤلاء الناس السيدة تحية ارملة الزعيم (الدستور)