حتى متى أيتها العصا!

تم نشره الأربعاء 26 كانون الثّاني / يناير 2011 01:18 صباحاً
حتى متى أيتها العصا!
محمد أبو رمان

مظاهرات القاهرة أمس تمثّل تأكيداً آخر ورسالة جديدة على درجة من الخطورة إلى النظام الرسمي العربي، فحواها "بقاء الحال من المحال"، بالرغم من استخفاف مسؤولين مصريين بفكرة الدومينو التونسي.

العنوان الرئيس للحال العربية اليوم، مهما تباينت المؤشرات واختلفت كمياً وكيفياً من دولة لأخرى، هو "الإفلاس السياسي"؛ استعصاء سلطوي، فساد مالي لا يرحم، هدر لقيمة المواطنة وكرامة الإنسان، فشل تنموي واقتصادي، عجز عن تأمين الحياة الكريمة، معدلات مرتفعة من البطالة والفقر، الفجوة الطبقية غير المنطقية، فشل في خلق فرص عمل، شعور شعبي عام بالقلق من المرحلة المقبلة التي تحمل ضغوطاً أكبر اقتصادياً واجتماعياً، وفشل في الإدماج السياسي ما خلق معضلة الأزمات الثقافية والاجتماعية والسياسية الداخلية.

الاختراق التونسي يتمثل في أنّها المرة الأولى التي تنزل فيها الشعوب إلى الشارع بهدف محدد وهو الديمقراطية، دفاعاً عن حقوقها وحرياتها، وإعلاناً لنهاية صلاحية الصيغة الحالية الرسمية.

أيّ شرعية للنظام الرسمي العربي اليوم؟ سابقاً، كانت هنالك حكومات استبدادية تمتلك جذوراً من الشرعية والدعاية السياسية، إمّا بالحديث عن مقاومة المشروع الصهيوني والوحدة العربية والقومية، أو تملك كاريزما سياسية، وهذا النوع من القيادات لم يعد موجوداً، فضلاً عن الهيمنة والعنجهية الصهيونية، وفي إطار أزمات تعصف بالدولة القطرية نفسها اليوم وتهددها بالتلاشي والانهيار، أو تلك القيادات التي ترفع لواء "شرعية الإنجاز"، من خلال علاقات زبونية تشتري فيها الولاءات، وهذا النوع سقط أيضاً، تحت مطرقة الضغوط الاقتصادية والفشل الفجّ والفساد المستشري.

في السنوات الأخيرة، بعد احتلال العراق وما تبعه من انهيار أمني وسياسي، استحدثت النظم العربية نمطاً آخر من الشرعية، يعكس ذروة الإفلاس السياسي، وبحد ذاته يمثل نموذجاً مثيراً وكاريكاتورياً في مواجهة عجلة التغيير والإصلاح السياسي، ألا وهو "الفوضى": إمّا أنا أو الطوفان.

للأمانة، فقد كان اختراعاً مذهلاً لجدوى "بقاء الحال"، لكن مفعوله أيضاً يذوي مع صعود حدة الأزمات الداخلية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، ومع الضغوط الاقتصادية الخانقة على قطاع الشباب، في مجتمعات فتية، تعاني من البطالة والحرمان الاجتماعي والاقتصادي، والشعور بالظلم وغياب العدالة.

ماذا تبقى، سوى سلطة العصا وشرعيتها والتخويف والترهيب، وهي سلطة في أحسن الأحوال لن تكون أقوى من الحالة التونسية التي تهاوت أمام الشارع في ساعات.

مساحات المناورة باتت محدودة، وسياسات شراء الوقت تستنفد مردودها وتنعكس في أزمات تكبر وتصبح أكثر خطورة، والسيناريوهات المتاحة لم يعد منها "بقاء الحال"، فإمّا إصلاحات بنيوية متدرجة سلمية تؤدي إلى ديمقراطية حقيقية، على طريقة "الصفقة التاريخية" (كما حدث في الماغناكارتا)، بعيداً عن المخاطر الاجتماعية، أو السيناريو التونسي عندما تغلق الأبواب.

بيت القصيد، أنّ ما يحتاجه صنّاع القرار العربي وهم يحاولون ويجتهدون في تفسير هذا التسارع في العدوى التونسية هو أن ينظروا بعين المؤرخين الحكماء والقادة الكبار، لمواجهة استحقاقات الإصلاح البنيوي الحقيقي، وليس الشكلي العابر.(الغد)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات