الهروب من الهوية!!

تم نشره الأربعاء 26 كانون الثّاني / يناير 2011 01:26 صباحاً
الهروب من الهوية!!
خيري منصور

 

 

قد يدرك البعض وإنْ بعد فوات الاوان أنّ الفرار الذي لاذوا به هو من الهوية أولا ، فعاشوا حياتهم في حفلة تنكرية ، وبمرور الوقت وتكرار مثل هذه الحفلة أصيبوا بازدواجية قاتلة ، فلا هم هنا.. ولا هناك ، وليسوا أنفسهم أو حتى قريبين منها،

لقد جرب العربي ان يحمل تاريخه على ظهره كالحطاب مثلما وصفه الراحل الماغوط ، وقرر ان ينزع الوشم عن يده أو كتفه ، ثم قرر ان يغير اسمه وأسماء ابنائه تماهياً مع واقع آخر ، لكنه سرعان ما اكتشف ان الآخرين هم الذين ينتجون هويته من خلال تذكيره في كل مناسبة بأنه ليس منهم ، وقد سمعت بعد احداث الحادي عشر من ايلول بفترة قصيرة من الراحل هشام شرابي حكاية رواها بعينين دامعتين ، فقد خاطبه أحد موظفي المطار في نيويورك مداعباً.. أو بمعنى أدق راطناً بالعربية.. يا مرحبا وهو بالتأكيد حول الحاء الى هاء كما يليق بالاستشراق في كل أوان..

بعد نصف قرن من التعليم والمشاركة في أهم المعاقل الاكاديمية الامريكية يجد هذا الاكاديمي نفسه غريبا ، لأن من رحب به قصد ان يذكره بأنه ليس انجلوساكسونياً وليس من قبيلة الواسب شديدة البياض،

وقد لا يعي البعض ان كل ما ألم بهم كان بسبب الهروب من الهوية ، لهذا بذلوا جهداً كبيراً لكي لا يتذكر الآخر من هم ، ومن أين أتوا؟ واحياناً يقول بعض العرب المهاجرين انهم رضوا بالبين والبين لم يرضَ بهم ، فهم غادروا مساقط رؤوسهم وأرواحهم معاً ، وهم يجرون وراءهم جذورا ذابلة من فرط الظمأ ، ومن قال منهم مع الشاعر:

سأرحل عن بلاد أنت فيها

ولو جار الزمان على الفقير..

عاد بعد ان ابيض شعره وبلغ أرذل العمر.. ليردد مع شاعر آخر:

بلادي وان جارت عليّ عزيزة

وأهلي وان ضنوا علي كرام..

ما من سبيل أمام الهاربين من جلودهم واسمائهم وشكل أنوفهم ولون بشرتهم وذاكرتهم الرملية إلا أن يقرروا مواجهة الذات ولو في الاسبوع الاخير من اعمارهم ، فالآخرون يريدون العربي لحماً ، ثم يلفظونه عظماً أو كالنواة على رصيف العالم.

ان هناك شعوباً تعترف بأنها اقل موروثاً ومنجزاً حضارياً وسماحة وعدداً وموقعاً من العرب ، لكنها تعيد اكتشاف ذاتها وترفض ان تستبدل الهوية أو الاسم مقابل أموال العالم كلها،

ما نخشاه هو ان يسخر منا هؤلاء الذين يقفون في طوابير الفيز والتأشيرات ، فهم عالقون بالجغرافيا والتاريخ وقبور أهلهم ولا ندري كم سيمضي من الوقت وكم سيهانون قبل ان يتذكروا انهم هاربون من انفسهم اولا ، فالهوية ليست عباءة أو بنطال جينز أو اي زي آخر ، انها وشم لا تصل اليه مباضع الجراحين لأنه في الذاكرة والقلب ، وليس معنى هذا ان ننكفىء داخل شرانقنا ونعيش حياتنا كمونولوج طويل ، فالعالم اتسع حتى ضاق ، ثم ضاق ثانية حتى اتسع ومن صدقوا ان العولمة حولته الى قرية ، سوف يصابون بالدهشة عندما لا يعثرون في هذه القرية على شارع أو زقاق يخصهم أو حتى على بيت يؤويهم،،(الدستور)

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات