مؤشرات الانتفاضات الشعبية

المتابع للأحداث في مصر بعد تونس يتساءل: هل ما يرى أمام عينيه على شاشات التلفزة هو حدث اعلامي مضخم، أم أنه تحول جذري في مسار هذه الأزمة ومستقبلها؟، هل نحن أمام تغيير في الفكر والنموذج والإدارة؟، أم أن ما نشاهده هو ردة فعل هوجاء مؤقتة استفزتها قوى خارجية تريد إعادة تركيب المنطقة لصالحها؟.
والسؤال الكبير المطروح هل ما نراه من أحداث جسام في تونس ومصر هو مبرر في تلك الدول التي حققت معدلات نمو عالية في الوقت الذي زادت نسب البطالة فيها؟، وهل كان ذلك النمو دولة بين الاغنياء؟، وهل حصل شرخ اجتماعي اقتصادي ثقافي، لم يعد لعامة الناس فيه مصلحة ولا احساس بالانضمام والمشاركة، فثاروا عليه؟.
إذا كنا نريد أن نستخلص العبر من تونس ومصر، وإذا كان هنالك استبعاد لنظرية المؤامرة، فما المؤشرات التي يمكن أن نستخلصها من إحداث هاتين الدولتين لكي نتعلم منها؟.
أولا: لا بد من الاعتراف أن الظلم السياسي والاجتماعي، وغياب التسامح، واستخدام البطش هي العناصر التي تقرب الناس من مرحلة الانفجار، الفقر والبطالة عنصران مساعدان، ولكن الإهمال والاستعلاء على الناس، والتقليل من شأنهم هو الذي يدفع الناس لإنصاف كرامتهم، والقيام على من تسلط عليهم.
ثانيا: هنالك العنصر السياسي الاجتماعي الذي يهاجم المثقفين والسياسيين الذين لا يتفقون مع النظام، ويهمل حقوق الشباب المتعلمين، واذا تضافرت هذه القوى معا، فإنها تفعل في الرأي العام الكثير، وتخلق فيه روح التمرد خاصة في عصر تكنولوجيا الاتصال وعصر المعلومة والمعرفة... "انظر إلى من تظلم".
ثالثا: الخلط بين محاربة الاسلام السياسي والاسلام بشكل عام... فالناس في وطننا العربي مسلمون ثقافة وهوية ولغة ودينا ومن يهاجم هويتهم ويتغاضى عنها، ويدعي أنه بهجومه لا يقصد الدين بل يقصد المتعصبين والمسيسين فقط، فقد يجد بعد فترة أن إدعاءه هذا غير مقبول لدى الناس، قد لا يمارس الناس الشعائر، ولكنهم لا يقبلون من لا يفقه في الدين أن يتمنظر عليهم فيه، أو أن يستخدم جزءا منه ضدهم.
رابعا: طول فترة الظلم وامتدادها، وعدم إبداء المرونة في الاستجابة لها، وقد تقتنع بعض الأنظمة أنها قادرة على إدارة أي أزمة، وعندما تحصل احتجاجات في بداية التململ الشعبي، تظن الأنظمة الاوتوقراطية أنها قادرة على السيطرة والتحكم من خلال أدواتها. وبالفعل تستطيع، ولكن ذلك قد يدفعها إلى الاسترخاء والاعتقاد أنها في مأمن من غضبة الناس، وان طال ذلك، فاجأهم الناس بما لم يكونوا جاهزين له.
خامسا: درجة العند والتمسك بأن الاصلاح هو لغاية واحدة، وهي إعادة وضع الشراب القديم في آنية جديدة، فالناس لا تشرب آنية، بل تشرب شرابا، ولذلك، فإن ما جرى في مصر وتونس من إصلاح كان هدفه ترسيخ الأمر الواقع، وهنا يصل الناس إلى مرحلة اليأس.
jawad.anane@alghad.jo
د. جواد العناني