خلصني من الغرق

تم نشره الجمعة 16 تشرين الثّاني / نوفمبر 2018 12:47 صباحاً
خلصني من الغرق
د.صبري الربيحات

في الأيام الخالية كان في مناهج اللغة العربية للصفوف الابتدائية قصة قصيرة عن طفل نزل في النهر دون امتلاكه لمهارات السباحة فأوشك على الغرق وبدأ يصرخ طالبا النجدة.. وبعد أن اعياه الصراخ اقترب منه رجل وأخذ ينظر له ويلومه على فعلته قائلا "كيف لك أن تنزل إلى النهر وانت لا تجيد السباحة؟ لقد ارتكبت خطأ لا يغتفر"، فما كان من الطفل إلا أن صرخ غاضبا بأعلى صوته مخاطبا الرجل: "يا هذا خلصني أولا من الغرق ثم لمني".
على أهمية هذه القصة والعبر التي تحملها إلا أنني لم اكن راضيا عن وجود هذه القطعة في مناهجنا فمسرح أحداثها وطبيعة التجربة للشخصيات التي اشتملت عليها بعيدة عن البيئة الأردنية باعتبارنا بلدا جافا لم يشاهد الكثير من أطفاله انهارا في حياتهم ولا يعير غالبية الأردنيين السباحة وفنونها أدنى اهتمام.
خلال الايام القليلة الماضية ومع توالي حوادث الغرق والانجرافات وتشكل بحيرات الوحل والسيول وتحول مناهل الصرف الصحي إلى نقاط سوداء ومخاطر يمكن أن تودي بحياة الصغار والكبار أدركت أهمية القصة وتفكرت بالعبر والدروس المستفادة منها.
السباحة مهارة علينا أن نتعلمها حتى وإن كنا نعيش في أكثر بلدان الاقليم جفافا واقلها في المساحات الشاطئية فالمناخ يتغير وقد نجد انفسنا محاطين بالمياه في اي وقت من العام واينما كنا على خريطة البلاد. ففي الأردن يمكن أن تجرفك السيول القادمة من أعالي الجبال وقد تغرق وأنت على الطريق الصحراوي كما من الممكن أن تهوي في أحد مناهل تصريف المياه التي قالت الجهات الرسمية انها شكلت فرقا للطوارئ واستعدت لمواسم الأمطار وتأكدت من سلامة الإجراءات.
العبرة الاخرى في القصة الغريبة انها تنبه القارئ الى طبيعة الاستجابات التي قد تصدر عن البعض فلا يستغرب اذا ما انشغل من حوله باللوم والتأنيب له على فعلته قبل ان يقوموا بأي جهد لانقاذه وتخليصه من الورطة التي وقع فيها.
أحداث البحر الميت وضبعة وجنوب عمان التي ذهب ضحيتها العشرات من الأطفال والمواطنين والضيوف الابرياء وسط محاولة البعض التنصل وتبرئة مؤسساتهم من أي مسؤوليات يعيد إلى الاذهان الصورة التي حملتها القصة وموقف الرجل الذي اكتفى بتوجيه اللوم للطفل الذي يحاول النجاة.
في حادثة سقوط الطفلة في الحفرة الامتصاصية التي لم يكن غطاؤها آمنا لا يوجد أحد أو جهة تعتبر نفسها مسؤولة عن السلامة العامة. في هذه الحادثة وغيرها من الحوادث يختار القائمون على الخدمات الجوانب التي يعتبرونها ضمن اختصاصهم ويتبرؤون من الجوانب الاخرى دون وجود مرجعية تقول أين تبدأ المسؤولية وما هو نطاقها وحدودها ومعناها.
المنهل الذي ابتلع الطفلة والرجل الذي ضحى بحياته في محاولة لانقاذها يقع على رصيف أحد الشوارع وأمام مؤسسة تربوية تخضع لرقابة الجهات التربوية ومؤسسات التدقيق على شروط السلامة العامة وهي ضمن صلاحيات السلطة التي تشرف على البناء وكوداته وتنظيم الشوارع وتصريف المياه ومختلف مكونات البنى التحتية.
السلطة والمسؤولية متلازمتان يصعب الفصل بينهما فمن يستوفي رسوم المسقفات ويضبط مخالفات الاعتداء على خطط التنظيم ويراقب اوجه الالتزام والتجاوز ويسحب الرخص ويحدد اوجه الاستخدام هو مسؤول عما يقع من اخطاء. لا بد من الانتقال من حالة التنصل إلى حالة نهوض جديدة تتجاوز تشكيل اللجان وتمييع المواقف والمراهنة على قصر ذاكرة الناس ففي ذلك اخطار لا تتوقف عند فجيعة أهالي الضحايا بل قد تصيب إيمان الناس بجدارة الحكومات والمسؤولين وشرعية استمرار المسؤول في موقع المسؤولية.

الغد - الجمعة 16-11-2018



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات