من «السياسة الدفاعية المشتركة» ... إلى «الجيش الأوروبي»

تم نشره السبت 17 تشرين الثّاني / نوفمبر 2018 12:37 صباحاً
من «السياسة الدفاعية المشتركة» ... إلى «الجيش الأوروبي»
عريب الرنتاوي

قبل ما يقرب من عقدين من الزمان، دعيت ونفر من الأردنيين، إلى باريس، للمشاركة في مؤتمر دولي نظمته كلية الدفاع الوطني الفرنسية، والموضوع الوحيد الذي كان مدرجاً على جدول أعماله: نحو سياسة دفاعية وأمنية أوروبية جديدة ... يومها جرى الحديث عن الحاجة لتشكيل «قوة دفاعية أوروبية»، قوامها ستين ألف ضابط وجندي، للذود عن حدود أوروبا ضد أية تهديدات محتملة، وللمساهمة في حفظ المصالح الأوروبية عبر البحار.
لم تكن التهديدات قد أحاقت بالقارة العجوز كما هي عليه اليوم ... روسيا كانت سادرة في ضعفها وتفككها ... الصين بالكاد كان ينظر اليه كقوة دولية منافسة ... لم يكن الشرق الأوسط قد احترق بأزماته، أو شرع في تصدير موجات متلاحقة من اللاجئين، أو تحول كمنتج ومصدر لأبشع وأعنف موجة إرهابية ... ومع ذلك، كان هناك استشعار بالحاجة لحضور أوروبي مستقبل، في الميدانين الأمني والدفاعي.
لم ير المشروع الأمني - الدفاعي الأوروبي النور، رغم الكثير من الجهود التحضيرية التي بذلت لإخراجه من حيّز الفكرة إلى فضاء المعسكرات والأساطيل والقواعد ... اليوم، تعاود فرنسا طرح هذه المسألة من جديد، من خلال الدعوة التي أطلقها رئيسها لتشكيل «جيش أوروبي» لمواجهة التهديدات الروسية والصينية وحتى الأمريكية، وهي الدعوة التي حظيت بتأييد فوري من المستشارة الألمانية، وردّ عليها بقوة مشوبة بالسخرية، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
التهديدات تحيط بأوروبا اليوم أكثر مما كانت عليه قبل قرابة عقدين من الزمان ... روسيا يلتسين، رجل الأوراسيا الضعيف، أصبحت لاعباً دولياً ناهضاً ... والصين عاودت شق طريق الحرير بكثافة ونشاط... والقارة تتعرض لغزوات متعاقبة من اللاجئين الآسيويين والأفارقة والشرق أوسطيين ... والإرهاب ضرب في طول أوروبا وعرضها ... وبريطانيا على وشك مغادرة الاتحاد، والأهم أن ثمة رئيس في واشنطن، لا يتقن شيئاً غير فنون الابتزاز وإثارة النزاعات والانقسامات وتأجيج الأزمات وتسميم العلاقات الدولية.
الحاجة ماسة لسياسة دفاعية أوروبية مشتركة، فالدول الوارثة للنظام الاستعماري القديم، انكشفت في كثير من المحطات والاستحقاقات، إذ حتى عندما قررت مواجهة نظام العقيد الليبي معمر القذافي، وجدت نفسها مكشوفة الظهر، تستنجد بقوة النيران الأمريكية الكثيفة، والتي من دونها، ربما كان العقيد على رأس عمله المعتاد في طرابلس الغرب اليوم.
لكن شتان بين الحاجة والقدرة ... الحاجة ضاغطة بيد أن القدرة على ترجمتها إلى خطوات وإجراءات، وتشكيلات مقاتلة مشتركة، تبدو ضعيفة للغاية ... والسبب الرئيس في ضعف القدرة أو غيابها، سياسي بامتياز ...إذ ثمة حاجة لتنسيق مواقف 27 دولة (بريطانيا باتت خارج المعادلة)، وإقناعها بفلسفة الدفاع المشترك وعقيدته القتالية والمشاركة في تشكيلاته مادياً وبشرياً، وذلكم سبب يحول دون تحول الاقتدار المالي والتكنولوجي الأوروبي، إلى اقتدار دفاعي - استراتيجي مشترك.
ليس ثمة ما يشير إلى أن أوروبا ستصطف خلف دعوة ماكرون لبناء الجيش الأوروبي ... فثمة دول أوروبية تفضل تعزيز روابطها الدفاعية مع الولايات المتحدة على الذهاب إلى مغامرة الجيش الأوروبي ... وثمة دول أوروبية، ما زالت تثق بالسلاح الأمريكي الذي تشتريه بكثافة، ولا تثق بالقدر ذاته، بالسلاح الأوروبي ... وثمة دول تفضل الانتظار قبل الذهاب إلى خيارٍ كهذا، على اعتبار أن «الترامبية» مرحلة عابرة في العلاقات بين ضفتي الأطلسي، لتعود بعدها إلى سكتها المعتادة.
وحتى بفرض أن ضغط أزمات اللجوء والإرهاب ستضغط على بعض دول الاتحاد للتساوق مع الدعوة الفرنسية، فإن من المرجح أن تسعى هذه الدول، في «تقزيم» فكرة «الجيش الأوروبي» إلى وحدات «حرس حدود»، لضبط عمليات اختراقها وتوزيع عبء حراستها من تدفق عشرات ألوف المهاجرين الجديد، أما الحديث المتجدد عن سياسة دفاعية وأمنية جديدة، و»جيش أوروبي»، فالأرجح أنها ستظل أضغاث أحلام تراود الإليزيه بين حين وآخر.

الدستور - السبت 17-11-2018



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات