السهم الأخير في جعبة نظام مبارك : البلطجية

يبدو أن الجيوش الجرارة من رجال الأمن والبوليس السري والمخابرات ، لم تعد تكفي لإثارة الطمأنينة في نفوس النظم الاستبدادية والحكام الديكتاتوريين ، فلجأوا إلى "البلطجية واللصوص والزعران" ، شكلوا منهم "فرقاً للتدخل السريع" ، جاهزة للعبث بالأمن والاستقرار وإشاعة الخراب والقتل والتنكيل ، ولعل ما جرى في مصر الانتخابات التشريعية الأخيرة قبل بضعة أشهر ، وما جرى بالأمس في ميدان التحرير ، ينهض كشاهد بشع على فداحة هذه الظاهرة التي نتحدث عنها اليوم.
لا أحد يدري كم يبلغ تعداد الأجهزة منتسبي الأجهزة الأمنية المصرية ، أقل التقديرات تتحدث عن مليون ونصف المليون عنصر ، يزيدون بأربع مرات عن تعداد منتسبي الجيش والقوات المسلحة... فالنظام قلق من المعارضة في داخله ، ولا يساوره القلق العابر للحدود ، بعد أن أمّنها بالاتفاقية المذلة مع إسرائيل ، ولهذا تنصب الموارد ، معظم الموارد لتغذية هذا "الوحش النهم" الذي لا يكاد يشبع.
لكن مع ذلك ، شهدنا أمس على الهواء مباشرة ، المئات من "البلطجية والزعران" بالأسلحة "السوداء" ، وهي لم تكن "بيضاء" يوماً ، يهجمون ممتطين الخيول والجمال ، على المواطنين العزل المعتصمين بميدان التحرير ، في ظل غياب الجيش وانسحابه المريب ، وفي مشهد يدل على مستوى الانحطاط الذي بلغته العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، في مشهد يعيد مفهوم السلطة والحكم ، إلى زمن السلب والنهب والغزوات والاستعباد والاستتباع.
النظام يروّع مواطنيه ، ويرسل برسائل دامية إلى كل أسرة مصرية: حذار حذار من التوجه إلى الساحات والميادين... حذار حذار من الانضمام لثورة اللوتس... مصير الدوس بحوافر الخيول والطعن بخناجر الحقد الأسود والسيوف الصدئة المشهرة فقط في وجوه المواطنين.
النظام يروّع مواطنيه ، وهو يعمد إلى "فرط" وحدات من أجهزته الأمنية وإلباسهم ثياب مدنية ، للاعتداء من دون حسيب أو رقيب على حياة المواطنين ، وليعيثوا قتلا وتخريبا وطعنا وترويعا بشبان الانتفاضة وشاباتها.
النظام يريد أن يرد على الشارع بالشارع ، ولأن لا شارع حقيقياً يدعم النظام ، فقد لجأ إلى "البلطجية" يملأ بهم الشوارع ، يدفع بهم إلى ساحات "القتال المفتعل" لإدخال الرعب في النفوس ، ولوضع المنتفضين والزعران في سلة واحدة ، توطئة للانقضاض على المتظاهرين والمحتجين ، وبحجة حماية الأمن والاستقرار وصون الأرواح.
النظام يطلق آخر ما في جعبته من رصاص وسهام حاقدة... النظام يصفي حساباته مع الذين تركوه عارياً وكشفوا عيوبه ومفاسده... نيرون لن يهدأ له بال ، ما لم ير القاهرة تغرق في بحر من دماء أبنائها... لن يغادر القاهرة قبل أن يثأر منها... قبل أن يرى ألسنة النيران والدخان تتصاعد من كل حي وزقاق وساحة وميدان.
"البلطجية" ليسوا حملة الخناجر والسيوف الذين يعيثون قتلا وحرقا وتخريبا... البلطجية الأخطر هم الذي حركوا "البلطجية" واخلوا السجون منهم ، واطلقوهم كالقطعان السائبة في الشوارع... هؤلاء هم البلطجية الحقيقيون... هؤلاء الذين ينبغي أن تملأ بهم السجون... هؤلاء هم الذين يتعين أن يقادوا بالسلاسل إلى مصائرهم المحتومة.
هي حرب مفتوحة ، يعلنها نظام يلفظ أنفاسه الأخيرة... هي المعركة الأخيرة التي يخوضها النظام الشائخ الهرم قبل أن يخلي الساحة لأصحابها الأصليين ، ويترك السلطة للشعب مصدر كل السلطات.
ثمة غرفة عمليات سوداء أدارت وتدير هذه الحرب الهمجية التي يخوضها النظام ضد شعبه وأبنائه وبناته... ثمة غرف عمليات سوداء تدافع عن نظام امتيازاتها وفسادها حتى الرمق الأخير... ثمة نظام لا يستحق سوى الرجم ، بعد أن أشبع شعبه رجما بالحجارة والسكاكين والسيوف و"المطاوي".
ثمة أسئلة وشكوك تطارد الجيش المصري ، الذي يبدو أن ترك "حياده" بالأمس ، منذ أن وجه إنذارا للمنتفضين في ميدان التحرير لإخلاء ساحاتهم والعودة إلى منازلهم... ومنذ أن أخلى الطرق والشوارع لطوفان الزعران الزاحف من دون أن يكلف نفسه عناء القيام بدور "قوة فصل" بين المتحاربين.
لكن الشعب الذي تغلب على خوفه ، وقهر جلاديه ، وانتفض في وجه أعتى آلات القمع والاستبداد ، لن تعوقه قطعان الزعران والبلطجية ، وها هو العالم ينتفض في وجه رئيس متعطش للسلطة حتى وإن كان ثمنها شلالا من الدم... ها هو العالم يلفظ النظام كما لفظ الشعوب كثير من النظم الاستبداديه وألقت بديكتاتورييها إلى مزابل التاريخ.(الدستور)