انتفاضة مصر.. التتمة غدا

الانتفاضة التي اندلعت في ميدان التحرير ، زلزت أركان نظام الركود والاستبداد.. الرئيس لن يخوض الانتخابات المقبلة ، هكذا قال هو بنفسه.. نجل الرئيس لن يخوض الانتخابات بدوره ، هكذا قال نائب الرئيس الجديد المُعيّن.. أمين عام حزب المؤتمر الوطني الحاكم ، رجل الأعمال الأشهر ، الابن غير الشرعي لزواج المتعة بين المال والسلطة في الحقبة المباركية أحمد عز ، ممنوع من السفر.. وزير الداخلية (الطاووس) الحبيب العدلي ومعه وزراء الإسكان والمالية ورجال أعمال ، ممنوعون من السفر.. التحقيق جارْ لمعرفة المتسبب بفلتان الأمن و"سيبان السجون" وفوضى البلطجية ، جارْ على قدم وساق.. الدستور سيعدّل ، وولاية الرئيس ستُحدد مستقبلاً.. الحريات ستشاع والانتخابات المبكرة ستقرع الأبواب.. ومع ذلك يتساءل بعض كتاب "السلاطين" في مصر (والأسوأ من خارجها) عن الحاجة لمثل هذه الثورة (عفواً الفوضى) ، ويسخرون من الحديث عن الموجة الرابعة من الديمقراطية التي ستجتاح العالم العربي ، بل ويحاولون تقزيم ثورة اللوتس ومن قبلها ثورة الياسمين ، إلى صراعات محدودة بين أجنحة السلطة القائمة وتيّاراتها.
هؤلاء ما عادوا يعروفون شيئاً عن شعوبهم.. انفصلوا عنها لفرط تمسّحهم بالبلاط والعتبات.. هؤلاء يذكروننا بنوع من الأسماك السوداء ، نسميها عادة "الأسماك الزبّالة" تعيش في قاع الأحواض السمكية (الإكواريوم) ، ووظيفتها تنظيفها من فضلات الأسماك الملونة التي تقضي النهار تسبح بخيلاء.. هؤلاء ما عادوا قادرين على تذوق طعم الحرية ولا استنشاق نسائمها.
ثورة مصر ، مصرية مائة بالمائة ، "صنعت في مصر" وعلى يد أبنائها ، لا فضل للخارج فيها أو عليها.. صحيح أنها تأثرت بالروح التونسية ، لكن الصحيح كذلك أن كل عوامل انفجارها ، وكل القوى التي حركتها ، مصرية (أباً عن جد) ، وهنا تكمن قيمتها.. هنا تكمن جدّتها.. هنا تكمن عظمتها.
لكن لثورة مصر تداعيات عربية ، لا يمكن لعين مجردة أن تخطئها.. فهي أطاحت بالتجديد والتمديد والتوريث في اليمن غير السعيد.. وهي أطاحت بالتعديلات الدستورية القائمة على نظرية "تصفير العداد" قبل أن ترى النور.. وهي أطاحت بمحاولات الرئيس اختطاف مجلس الشعب بإصراره على إجراء انتخابات في نيسان المقبل.
وتداعيات الثورة المصرية ضربت الجزائر وأطاحت بقانون الطوارئ المعمول به منذ قرابة العقدين من الزمان.. وهي مرشحة لأن تفضي إلى مزيد من التفاعلات في بلد شهد أحداثا جسام خلال العقدين الفائتين.
روح المنتفضين في شوارع مصر وتونس ومدنهما ، تحوم في سماء المنطقة العربية ، وتجول بين أزقتها وشوارعها ، وها هي "الموجة الرابعة من الديمقراطية" كما أسماها الصديق موسى شتيوي تضرب العالم العربي ، متأخرة عقدين من الزمن عن آخر الموجات الديمقراطية ، ولكن أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل أبدا.
لن تتوقف تداعيات التسونامي الذي ضرب مصر وتونس عند هذا الحد ، وسيكون لخروج مصر من الحقبة المباركية أثر على دور مصر ومكانتها ، والأرجح أن مصر لن تظل على مواقفها وتموضعاتها السابقة ، الأرجح أنها ستكون لاعبا فاعلا لصالح القضايا العربية ، بدل أن تكون عبئاً عليها ، فالذين جعلوا مصر تنظر للقضية الفلسطينية من "خرم إبرة حماس" فشلوا ، وقد لا يظلون في السلطة ، والذين جعلوا من سمير جعجع وفؤاد السنيورة سفيرين فوق العادة للشقيقة الكبرى في لبنان ، خرجوا ولم يعودوا ، والذي جعلوا مصر العظيمة "مسننا" في الماكينة الأمريكية في المنطقة ، ربما نراهم خلف القضبان قريباً ، فتحية لمصر وتحية لشهداء ثورة اللوتس الأبرار.(الدستور)