فـي مصـر ثـورة شـعبية

من الصعوبة بمكان الكتابـة عن مجريات ثـورة الشعب المصري ، لأن الأحداث والتطورات قد تسبق النشر ، فالحالة مفتوحة على جميع الاحتمالات ومرشحة للمفاجآت.
ابتـداء بفرعـون وانتهاء بمبارك كانت مصر دائماً تحـت حكـم الفرد المستبد ، وكان ُيعتقـد أن الشعب المصري لا يثـور ، ولكنه فاجأ نفسـه وفاجأ العالم.
في بعض البلـدان تحدث ضغوط شـعبية من أجل عمليـة إصلاح سياسي من داخـل النظام ، أما في مصر فعملية الإصلاح تستهدف الخلاص من النظام باعتبار أنه حالة مدانـة وميؤوس منها.
النظام البديل ليس جاهـزاً ، وليس معروفـاً ، ذلك أن ثورة مصر ، مثل ثـورة تونس ، ليس لها قيادة محددة ومعروفـة تطرح نفسـها كبديل للنظام القائـم وتملك برنامج عمل معـروف.
عملياً لم يسـقط النظام المصري حتى تاريخه ، ولكنه سـقط معنوياً وفقد شرعيته دون أن تقـوم شرعية أخرى واضحة ، فالشارع تعـددي مما يوفر للانتهازيين فرصة لركوب الموجـة.
الشرعية الوحيدة الباقية في مصر اليوم ، ويقبل بها الجميع ، وتلقى الإجماع ، هي شـرعية الجيش المصري الذي وقـف حتى الآن على الحيـاد ، فلم يتخل عن رأس النظام ، ولكنه لم يجـابه الجمهـور الثائر ولم يلجأ إلى العنف ، وبالتالي فهو القـوة الوحيدة القادرة على الحسـم ، وتمسك بخيوط الحـل ، فهل يقـول الجيش كلمته ، وإلى أي مـدى يسـتطيع الجيش أن يعمـل في الوقت نفسـه على حماية رأس النظام ورموزه من جهـة والثورة وجماهيرها من جهة أخرى؟
كان النظام المصري يتمتع بشرعية خارجية ، فالعالم يعترف به ويتعامل معه ، بل إن أميركـا كانت تدعمـه سياسياً وعسـكرياً واقتصـادياً. لكن هـذه الشرعية الخارجية سـقطت ، فأميركا وأوروبا تطالب اليوم مبارك علنـاً بتسليم السلطـة فوراً.
أميركا وأوروبا تريدان للنظام المصري أن يعترف بالمطالب المشروعة للشعب ، وإن يعيد إنتاج نفسه بصورة محسـنة ، فهما تفضلان الديمقراطيـة ، على الأقل لأنها لا تفرخ الإرهاب ، ولكنهما تريدان الاسـتقرار أيضاً. القوى الغربية تملك قيماً معنوية ومصالح ماديـة ، والأولوية للمصالح ، وهي تدرك الآن أن نظام مبارك لم يعـد قادراً على خدمة مصالحها ، وتريد أن توفـق بين القيم التي تنادي بها والمصالح التي لا تخفيـها.
الكلمة النهائية لميدان التحرير.
(الراي)