عينة من الرُّعب الاسرائيلي

اخيرا نطق الجنرال ، فبعد ان صرح نتنياهو بان اسرائيل سوف تلتزم الصمت ازاء الاحداث الجارية في مصر ، وطالب وزراء حكومته بالامتناع عن اي تعليق ، لم يستطع الصوم عن التصريحات اكثر من اسبوع واحد: فاعرب عن مخاوفه من الحراك الذي يعصف بالمنطقة على حدوده ، اما وزير الدفاع السابق فقد قال بالحرف الواحد إن الديمقراطية اذا ما انتشرت عدواها في الشرق الاوسط فانها تهدد امن اسرائيل وقد تحول الشرق الاوسط الى منطقة تحت نفوذ الاسلاميين والحركات الاصولية.
هذه عينة جديدة من ذهنية سياسية في تل ابيب تضاف الى سابقاتها لتبرهن على ان اسرائيل تريد العالم العربي من حولها مستنقعا وحالة من المراوحة تتيح لها وحدها ان تصول وتجول سياسيا واقتصاديا وثقافيا ان امكنها ذلك.
ما من حركة او حتى ايماءة في هذه المنطقة لا تشعر اسرائيل بالهلع ، لان الخائف يرى العصا ثعبانا واحيانا يراها بندقية ، فاسرائيل تدرك انها في النهاية اسم حركي لتخلف العرب وفقرهم وشقائهم الاجتماعي والسياسي ، لذلك عليها ان تحرص وبكل السبل على ابقاء المشهد كما هو ومن مصلحتها ان يأكل العرب بعضهم ويستبدلونها كعدو تاريخي ووجودي باخوتهم وذويهم ، كي تقف عى قمة الكرمل لتشاهد الكوميديا القومية السوداء التي تقدم لها بوليصة تأمين لعدة عقود قادمة.. ان من يتابع التعليقات والتحليلات الاسرائيلية عبر مختلف قنوات الميديا يجد ان هناك قاسما مشتركا بين تعليقاتهم هو الخوف من اي حراك عربي ، او حتى من هبوب نسمة خفيفة تحرك ستائر النافذة ، لان هذه النسمة هي حجر في ماء آسن ، قد تعقبها عواصف تخلع الابواب.
لقد كان الرهان الصهيوني منذ بواكيره على ابقاء العرب في حالة من الدوران حول انفسهم ، بحيث يتحولون الى رهائن لعصر لم يمتلكوا بعد تأشيرة الدخول اليه ، وسوف تتصاعد وتيرة هذا الرعب في اسرائيل اذا قرر العرب ان يخرجوا من الكهف ومن سباتهم الذي دام عقودا ، فهي تدرك اكثر من سواها كم يمتلكون من الثروة والقوة وقابلية التكامل اذا استيقظوا من هذا السبات السياسي،
لم يستطع نتنياهو احتمال الصمت الذي اوصى به وزراءه اكثر من بضعة ايام وذلك لانتظار منسوب الغضب ، والكلفة المرشحة للرجحان.
عندئذ نطق كفرا كالعادة وأعقبه وزير الدفاع السابق ليضع النقاط الحمر على الحروف الخضر ويشوه قاعدة ذهبية في التاريخ: هي ان بقاء اي حال من المحال وان الثابت الوحيد في هذا الكون هو التغير.
لقد سبحت الصهيونية عقودا ضد هذا التيار وحاولت اختطاف التاريخ لصالح الاسطورة وقد تكون سيرتها الذاتية هي قصة هذا الفشل ، فهي ليست المشروع الوحيد او الاول في التاريخ الذي سعى من اجل اختطاف التاريخ ، لكن النتائج لم تكن سعيدة لمن حاولوا ذلك. ولو كان التاريخ طيعا ورخوا وذا بعد واحد لمكث حتى الابد عند قدمي القيصر في روما القديمة،
وليس اسرائيل وحدها بل اية قوة في هذا العالم راهنت على ديمومة العرب في حالة استنقاح آسن ومزمن لا بد ان تخسر الرهان اجلا او عاجلا ، لان العرب ، شأن كل عباد الله في هذا الكوكب ، يصبرون كالجمل ويجترون سنامهم مثله اذا جاعوا ويكظمون الغيظ لكن الى حين.
العرب ليسوا استثناءً من القاعدة الذهبية لثنائية التحدي والاستجابة وجدلية العواصف والابواب.
والرعب الاسرائيلي الذي كان موسميا قد يتحول الى حالة يومية دائمة،،