الحذر واجب

تبنت الإدارة السابقة للحزب الديمقراطي الأميركي، مشروع نشر الديمقراطية في العالم العربي، وخصصت لهذا المشروع حوالي 30 مليون دولار تم إنفاقها من خلال مؤسسات المجتمع المدني التي عملت ضمن ذلك المشروع، لكن الديمقراطية لم تنتشر.
وفي عهد الحزب الجمهوري الذي حكم أميركا دورتين رئاسيتين، عملت الإدارة آنذاك على تبني مشاريع لتحسين صورة الولايات المتحدة لدى الشعوب العربية والإسلامية، وكانت هنالك عدة وسائل لرسم صورة جميلة للسياسة الأميركية، لكن هذا لم ينجح لأن لمسات السياسة الأميركية في العراق وفلسطين كانت أقوى بكثير من محاولات بائسة لتحسين صورة إدارة بوش.
واليوم، يتابع الجميع نشاطا أميركياً غير عادي لركوب موجة التغيير الشعبي، وتحاول الإدارة الأميركية الديمقراطية أن تتحدث مع الأنظمة العربية باسم الشعوب، بل وتحاول أن تقدم نفسها طرفا مفاوضا باسم الشعوب. كان هذا في التحرك الشعبي لأهل تونس الكرام، وتابعنا خلال الأسبوع الماضي وإلى اليوم الإدارة الأميركية تفاوض أحياناً النظام المصري وتستعجله في الرحيل، وكأن أوباما مقيم في ميدان التحرير، ونسمع التحذيرات من وزيرة الخارجية الأميركية لقادة المنطقة العرب بأن عليهم الإسراع في الإصلاح قبل أن تهب عليهم العاصفة، أي التغيير والرحيل.
ما نقوله لا يعني أن الناس في تونس ومصر تتحرك بأمر واشنطن، لكن تدخل أميركا محاولة لإعادة إنتاج صورتها ومواقفها من خلال تقديم نفسها نصيراً للشعوب، وعوناً لكل عربي يريد أن يتخلص من الظلم، ولأن الإدارة الأميركية تهدف إلى تحقيق هدفين كبيرين لها، أولهما إعادة إنتاج صورتها لدى الشعوب العربية وهو ما فشلت به سابقا، والأمر الثاني تغيير أجواء المنطقة باتجاه مزيد من الحريات تحت إشرافها وهو ما فشلت به سابقا أيضاً. وفي سبيل هذا، فإن الولايات المتحدة مستعدة أن تضحي بأقرب حلفائها حتى ممن كانوا شركاء لها في الحروب على التطرف والإرهاب، وفي عملية السلام وغيرها من القضايا. ولم يكن غريبا أن تضحي أميركا بحليفها في تونس، وضغطت بكل ما تملك لإقناع الرئيس المصري بالرحيل، وهي مستعدة لأي خطوات في ساحات أخرى.
وما يعنينا في الاردن أن نكون أكثر وعيا فلا صديق لنا إلا أنفسنا. وهذا لا يعني أن نرفض الإصلاح، لكن علينا أن لا نحول حراكنا الوطني الصادق إلى أداة سياسية للآخرين. ومن واجبنا أن نغلق الباب أمام أي توجه انتهازي لديه الرغبة في الاستقواء على وطنه ودولته بالظروف الإقليمية أو بالحماس الأميركي.
لابد من إصلاح بلغة أردنية، وأن نتحدث بقضايانا بكل صراحة ومسؤولية لكن من دون أن نقدم أي خدمات لأي جهة، ومن دون استقواء بأي ظرف إقليمي أو حماس غير صادق من بعض القوى الدولية. نقول هذا ونحن نعلم حجم الصدق والانتماء لدى كل الأردنيين وقواهم السياسية، لكن الحذر واجب.(الغد(