إنه تشكيل حكومة وليس دعوة إلى وليمة زفاف

عندما يرى هذا المقال النور من المرجح أن تكون تشكيلة الحكومة الجديدة قد أعلنت .
سيتداول الناس الاسماء وتبدأ الصالونات والنخب المسيسة في ابداء رأيها وتحليل مكونات الحكومة من الناحية المناطقية !! أيها أستحوذ على حصة الاسد وأيها ضاع في النسيان !! وكأن رئيس الوزراء يوجه الدعوة الى وليمة زفافه - لاسمح الله - ، وكثيرون سيقلبون النظر في الاسماء وسيكون هناك الكثير جدا من عدم الرضى بين معارض لايعرف متى يعارض ومتى يوافق ولماذا ، وبين حالم بفرصة وزارية ضاعت وبين من يتحدث لمجرد أن الحديث ضرورة لأثبات التواجد في ساحة الكلام ، وسيتجنب حتى المنصفون التعبير الايجابي حتى لو كانت تشكيلة الحكومة من خيرة الناس فقد تعودنا على اتهام كل من يشيد بأداء حكومي على أنه صاحب مصلحة أو من كتّاب ( التدخل السريع ) ، لدرجة أنه لم يعد ممكنا لكاتب أو صاحب رأي منصف الجرأة لتأييد قرار لرئيس وزراء أو توجيه الشكر والثناء لوزير قام بعمل جيد لمصلحة الناس .
لا أعرف ساحة واسعة للكلام مثل الساحة الاردنية ، ولا أعرف ساحة ضيقة للفعل مثل الساحة الاردنية ، فالحديث المركز في العاصمة يصل الى حد الضوضاء ، في الوقت الذي نفاجأ فيه بفعل ملكي يتمثل في زيارة الى قرية أسمها ( الشيخ محمد ) أقسم أنني أسمع بها للمرة الاولى وأؤكد أن أيا من رجال السياسة لم يكن يسمع بقرية الشيخ محمد قبل زيارة جلالة الملك لها أول أمس الثلاثاء .
نسمع كلاما كثيرا وبيانات فيها الكثير من الايجابيات والافكار التي لاخلاف عليها ولكننا لانشاهد أفعالا موازية على صعيد مؤسسات المجتمع المدني أو من طرف أكثر من جهة من المؤسسات الادارية الرسمية ، فلا يجوز أن نكتفي بأصدار البيانات ونكتشف بأنفسنا أن عشرات القرى في الارياف والبوادي بحاجة الى أيام صحية تطوعية وبحاجة الى خدمات ، وأن كل الحديث الرسمي عن مواجهة المحسوبية والواسطة لم يتجاوز بعد الحناجر والنشر الصحفي ، وكل المطالبات الحزبية والنيابية والمجتمعية بمحاربة الواسطة والمحسوبية والمناطقية أيضا لم تتجاوز الكلام ونمارسها فعلا ونرفضها قولا !!
نتحدث كثيرا عن حرية الاعلام ومن الناحية العملية نسارع الى تقديم الدعاوى القضائية ضد الصحف والمواقع الالكترونية لمجرد نقد بسيط بل ويطالب بعضنا في الغرف المغلقة بفرض رقابة وضبط على الاعلام الالكتروني .
نطالب بالحوار وحرية إبداء الرأي ولكن أنظروا الى التعليقات على المقالات والاخبار في مواقع الانترنت لتكتشفوا مستوى الحوار الدائر و حجم العبثية في إبداء الرأي وتسفيه الاخرين وشتمهم باسم الحرية والديمقراطية !! .
الحكومة الجديدة ستجد صعوبات نيابية أمامها ، فالشعور النيابي بالندم لمنح الحكومة السابقة ثقة غير مسبوقة بأغلبية 111 من 119 نائبا يطغى على الاجواء في المجلس ، وبالتالي فان حكومة البخيت قد تضطر لتسديد فاتورة أو تحمل ضريبة وكلفة الثقة الممنوحة للحكومة السابقة ، ولكن المصلحة الوطنية تقتضي حصولها على ثقة واقعية مشروطة بالانجاز وقابلة للمراجعة في ضوء حسن الاداء .
لن يكون في الحكومة الجديدة وزراء خوارق للطبيعة ولا من يستطيع مضاعفة الموارد المالية للخزينة ولا جلب مساعدات واستثمارات خارجية غير معتادة ، وليس مطلوبا منها تحقيق ذلك ، وانما سيكون إنجازا أستعادة ثقة المواطن بالاداء الحكومي بشكل عام ، وإقناعه بجدية جهود ضبط المال العام وتحقيق أكبر قدر ممكن من المساواة بين الناس والمناطق ، وقطع كل طرق التدخل في القضاء كيفما كانت ، واحترام الحقوق الدستورية للمواطنين فعلا لا قولا . (الرأي)