حديث في التشكيل الحكومي

هل يمكن التصديق بأن هذه حكومة الدكتور معروف البخيث الثانية ، ستنجز برنامجا سريعاً للإصلاح السياسي والتحوّل الديمقراطي في بلادنا... هل يمكن الرهان على هذه الحكومة ، في هذه اللحظة التاريخية الحرجة... من سيشتري هذه الوعود ، من سينام على حريرها وأوهامها... هل هكذا تدار الامور في منعطف شديد الدقة والخطورة كالذي نعيشه ونمر فيه ، حيث يحيط بنا التهديد من شتى الجهات ، وتعصف بنا المخاطر من كل حدب وصوب.
والحقيقة أننا نريد أن نبدأ برئيس الحكومة الذي طالما روّج قبل التكليف ، بأن الإصلاح السياسي في بلادنا سيحتاج إلى ثلاثة أو أربعة عقود من الزمان في الحد الأدنى ، مذكراً الأردنيين بأن الديمقراطية في أوروبا استغرقت أضعاف هذا الوقت ، من دون أن يجد حاجة لتذكيرنا بتجارب ديمقراطية ، استنفدت مهام التحول نحو الديمقراطية في عشرية واحدة من السنين.
رئيس الوزراء الذي طاف بالأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات ، في مشاورات فائضة عن الحاجة ، يبدو أنه أخفق في إقناع قوى وشخصيات وازنة بالانضمام إلى حكومته ، فبحث في أرشيف الشخصيات التي تميل الى العرفية واختار منها قبضة من الوزراء الذين طالما جادلوا في ضرورة إرجاء الإصلاح إلى ما بعد حل القضية الفلسطينية ، وقاوموا إدخال أية تعديلات جوهرية على قانون الانتخابات ، وحاولوا سنّ قانون رجعي وعرفي للنقابات ، شخصيات كانت تعتقد بأن الرقابة على الانتخابات ، ميزة المجتمعات الخارجة من حروب أهلية أو المتحررة حديثاً من الاستعمار.
بَحَثَ في أرشيف النخب المُعاد تدويرها ، واستل من بينها عدداً من "المجربين" ، الذين لم يقل أحدّ بأن تجاربهم كانت مثالا يحتذى ، ولم يشق أحدّ منّا الخدود لاستبقائهم على رأس وزاراتهم أو استعجل استحضارهم من جديد... ثم رَصَدَ عدداً من الحقائب كمكافآت نهاية خدمة لعدد من الشخصيات السياسية والإعلامية ، ولم ينس أن يطعّم حكومته بتمثيل حزبي باهت ، يُحسب على هذه الحكومة ولا يحسب لها... ناهيك عن اتبّاعه للسنن الحكومية غير الحميدة ، في "حرق" شخصية أو شخصيتين محترمتين في كل تشكيل وزاري.
ثمة مسافة فلكية تباعد ما بين مهمات هذه الحكومة وتفويضها من جهة ، وبين تكوينها ومكوناتها من جهة ثانية ، وفي ظني ، ومن دون أن أخشى تسرعاً أو حكماً على الأحداث قبل وقوعها ، أن هذه الحكومة ليست مؤهلة أبداً لأن تكون حكومة إصلاح وتحوّل ديمقراطي.
هل بتنا عاجزين عن التقدم للأمام... هل استنفدنا قدرتنا على التفكير والإبداع... هل بتنا مجتمعاً ، غير قادر على إنتاج النخب والأفكار والحركات والحكومات والأحزاب... ما بالنا ندور منذ سنوات في حلقة مفرغة من العجز والمراوحة وضعف إرادة التغيير وغياب إرادة الإصلاح.
المكتوب يُقرأ من عنوانه ، وعنوان مشوار الإصلاح الذي وعدنا به ، بات مقروءاً بكل وضوح ، في التشكيل ، وها نحن أمام فرصة أخرى ضائعة ، بل مُضيّعة مع سبق الترصد والإصرار... وكل فرصة ضائعة أو مُضيّعة وأنتم بألف خير.
(الدستور)