بيان رقم (1)

مع صدور البيان رقم (1) عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، دخلت الثورة الشعبية المصرية منعطفا حادا في ضوء استمرار التماسك الشكلي لبنية النظام، مقابل الإصرار والعناد الشعبيين المنقطعي النظير، ما يجعل خيار الانقلاب العسكري أو وضع البلاد في عهدة الجيش مسألة وقت لا أكثر، بل ومطلباً أساسيا في نهاية النهار للثورة ودعاة التغيير.
توجد حسابات ذات حساسية عالية لتدخل الجيش، وحتى لو تم الأمر تحت عناوين ضمان المرحلة الانتقالية، لكن التخوف الحقيقي بأن المرحلة الانتقالية قد تقود البلاد إلى حالة غير متوقعة من الطوارئ (رغم ما تضمنه البيان رقم (2)) وربما التدخل الأجنبي، وبالتالي نهاية الربيع المصري مبكرا، تحت طائلة اعتبارات لن يجد الشارع المصري أمامها سوى التعايش مرغما مع طوارئ أخرى.
تبدو الثورة الشعبية المصرية قد قلبت بالفعل كل معتقداتنا التقليدية عن قدرات الشارع العربي، كما تفاجئ كل اليوم العالم بالإصرار والعناد والقدرة على العمل على أرض ساخنة، بعدما كدنا نصدق المقولات التي طالما أغرقتنا بها الدراسات والتقارير الغربية والتي اشغلتنا بالبحث في حفريات عن أسباب ثقافية تجعل هذه الشعوب أقل قدرة على استيعاب الديمقراطية أو حتى التعبير الحر عن إرادتها. العامل التحليلي الذي يغيب عن قراءة الحالة المصرية الراهنة هو العامل الخارجي. فحالة الترقب الحالية من قبل الدوائر الخارجية لن تستمر طويلا، وبالطبع ليس على طريقة الرئيس مبارك الذي راهن في خطاباته الأخيرة على استعادة تعبئة الشارع تحت مقولة عدم رضوخه للإملاءات الخارجية تارة أو اتهام الثوار بالعمالة للخارج وبمقولات دعائية بائسة.
الثورة المصرية الجديدة تعيدنا إلى ثورة عرابي في العام 1881، والتي أشعلها الجيش بتحالف نادر مع الشعب بكافة طوائفه وفئاته ضد الخديوي توفيق بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، والتدخل الأجنبي في شؤون مصر والشعور الحاد بضرب الكرامة الوطنية، وطالبت بإقالة الحكومة وإصلاح أحوال الجيش وتأسيس مجلس شورى النواب. ولعل من المفيد الربط بين مطالب الكرامة في الثورتين التي تبدو في الحوار التاريخي بين عرابي والخديوي حيث رد الأخير على مطالب الثورة قائلا: "ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا". ورد عرابي عليه: "لقد خلقنا الله أحراراً، ولم يخلقنا تراثاً أو عقاراً، فوالله الذي لا إله الا هو إننا سوف لا نُورَّث، ولا ولن نستعبد بعد اليوم". وفي نهاية اليوم حصلت الثورة على كل مطالبها، ولكن مع فجر اليوم التالي قادت هذه التطورات إلى احتلال مصر من قبل الانجليز.
الفراغ في الحالة المصرية الراهنة يتمثل في تعدد رؤوس الثورة، وغموض الخطة البديلة وما تحتاجه من إجراءات على الأرض، ثم احتمالات اليوم التالي الواسعة المفتوحة على كل شيء، في ضوء تداعيات اقتصادية صعبة منتظرة، وتداعيات أمنية قد تصل إلى تدخل إسرائيلي في سيناء.
الحكمة التاريخية المنتظرة تحتاج إلى تبلور كتلة وطنية تتمأسس داخل المؤسسات الموجودة، وهي مهمة لا تنتظر.(الغد)