ملاحقة اللصوص والعناوين التي تتحدى مشاعر المصريين

بالأمس ، كان مقال هذه الزاوية احتفاليا بمناسبة النصر العظيم ، لكنه بسبب خطأ فني نشر فقط في موقع الصحيفة على الإنترنت ، بينما نشر في الصحيفة الورقية مقال كتب قبل الانتصار ، وكان عنوان مقال الاحتفال بالانتصار هو "الله أكبر.. مصر انتصرت لنفسها وأمتها".
وللحق فإنني منذ رحيل القوات الصهيونية عن بيروت ربيع العام 2000 لا أذكر أنني كتبت مقالا بهذا المستوى من الفرح والاحتفال ، مع أن الانتصار المصري يبدو أكثر أهمية من حيث الدلالة والتداعيات ، من دون أن ننسى فرحتنا العارمة بسقوط دكتاتور تونس.
في ظل أجواء الفرحة العارمة التي يعيشها الشعب المصري العظيم ، ومعه كل عربي ومسلم شريف ، لا ننسى القول إن الثقة التي أولاها الشعب للجيش ستبقى برسم الامتحان على أكثر من صعيد ، ولا شك أن الموقف الذي أبداه قادة الجيش من شهداء الثورة هو موقف نبيل يشكرون عليه ، لكن الأهم من ذلك هو الوفاء للبرنامج العظيم الذي من أجله ثاروا وبذلوا دماءهم.
من أهم المواقف التي ينتظرها الناس من قيادة الجيش ، وقبل أية إجراءات أخرى ما يتعلق بملاحقة الذين نهبوا أموال الشعب ، بما في ذلك أسرة الرئيس المصري ، فهؤلاء لا يمكن أن يظلوا بمنأى عن المحاسبة ، سواء كانوا داخل البلاد ، أم فروا إلى الخارج.
إننا لا نتحدث هنا عن مليار أو بضعة مليارات سرقت من عرق الشعب ، وإنما نتحدث عن أكثر من مئة مليار دولار في أقل تقدير سرقها هؤلاء وأودعوها في بنوك الخارج ، أو أبقوا منها جزءًا في الداخل لأنهم لم يكونوا يتخيلوا اندلاع ثورة من هذا النوع.
إلى جانب هؤلاء ، لا بد من إخراج رموز الفساد ، بخاصة في مؤسسة الأمن ، من المشهد العام ، مع أن محاكمتهم على الجرائم التي ارتكبوها هي الأصل ، وبعد مؤسسة الأمن تأتي مؤسسات الدولة الأخرى ، والأهم من ذلك كله حلّ ما يعرف بالحزب الوطني الحاكم ، لأنه ليس حزبا بالمعنى الواقعي للكلمة ، وإنما عصابة من اللصوص والانتهازيين ، وإلى جانبهم جماعات أخرى من الناس العاديين الذي كانوا يأملون من خلال الانتساب للحزب في تحقيق بعض المكاسب.
بعد ذلك تبدأ الخطوات المتدرجة باتجاه إعادة السلطة إلى الشعب وفق نظام ديمقراطي تعددي جيد ، ووفق قانون أحزاب وقانون انتخابات عادل ، إذ أن النظام السابق لا صلة له بالديمقراطية ، كما أن غالبية أحزاب المعارضة التي اعترف بها أحزاب باهتة ولا حضور لها ، فيما تقبع المعارضة الحقيقية خارج ما تسمى الأطر الشرعية.
يستتبع ذلك الإعلان عن نية تغيير الدستور ، لأن الدستور هو الأصل الذي تستند إليه القضايا الأخرى ، وعموما فإن الطريق نحو ديمقراطية حقيقية ليس غامضا إلى ذلك الحد في ظل توفر عدد كبير من التجارب الإنسانية التي يمكن الاستناد إليها. وفي مصر حشد من فقهاء القوانين والدساتير الذين يمكنهم صياغة دستور جديد يحمل مصر نحو آفاق الحرية والتعددية الحقيقية بعد عقود من ديمقراطية شكلية ليس فيها من الديمقراطية سوى الهياكل الخارجية ، مع التأكيد على هوية الشعب المصري ومرجعيته الإسلامية التي لا يمكن التراجع عنها بأي حال ، وإن بفهم يناسب متطلبات العصر.
ليست هذه خريطة طريق للجيش ، لكنا نتحدث عن خطوات ضرورية تمنح الناس شعورا بالأمان ، وتؤكد لهم أن تضحياتهم لم تذهب هدرا ، وأن المسيرة ماضية في طريقة الحرية والتعددية. هل يمكن مثلا انتظار الكثير من أجل إعادة النظر في صفقة الغاز المصري مع إسرائيل ، تلك التي كانت من جرائم النظام السابق؟ بالتأكيد لا ، بل يجب أن يصار إلى فضح الصفقة ومن عقدوها والأسعار وكافة التفاصيل ، لكي يعرف الناس حجم الجرائم التي كانت ترتكب بحقهم وبحق بلدهم.
وفي ذات السياق ، يجب أن يصار إلى إعادة النظر في الحصار المفروض على قطاع غزة ، وهو حصار يلقى رفضا قاطعا من قبل الغالبية الساحقة من المصريين ، إن لم يكن جميعهم بل استثناء ، ولا يعقل أن يتواصل بعد هذه الثورة العارمة التي كانت السياسة الخارجية للنظام جزءًا أساسيا من محركاتها ، وبالطبع بعد أن أساءت تلك السياسة لمصر ودورها وحضورها وأمنها القومي ، ووضعته رهن الإملاءات الإسرائيلية الأمريكية ، بدليل انفصال جنوب السودان ، وقبل ذلك ما جرى ويجري في العراق وفلسطين.
خلاصة القول ، هي أن زمن الحكم الفردي ، أو حكم العصابة قد انتهى ، ويجب أن يتأكد الجميع من أن زمن حكم الشعب المعبر عن ذاته وهويته هو القادم ، فذلك وحده هو الضامن لعدم الانحراف ، أكان في سياسات الداخل بمختلف فروعها أم في سياسات الخارج. لكننا نذكر مرة إثر مرة بأن الأمة قد عرفت طريقها ، واكتشفت سلاحها الأقوى ، ولن يذلها أحد بعد اليوم ثم ينام قرير العين.(الدستور)