الانتخابات الفلسطينية .. استحقاق أم مناورة؟

صبيحة اليوم التالي لسقوط نظام حسني مبارك ، وفي توقيت لافت للانتباه حقاً ، أعلنت السلطة الفلسطينية عزمها إجراء انتخابات "بالجملة" في "قواطع عملياتها" وحيثما تيسّر في المنافي والشتات.. انتخابات من المفترض بها إن تأتي برئيس ومجلسين ، تشريعي ووطني ، على أن يتم كل ذلك قبل أيلول القادم ، وبعد أن تكون القرى والبلدات الفلسطينية قد انتخبت مجالسها المحلية.
لم يأت بيان "ما تبقى" من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على ذكر الكيفية التي سيجري بها ، تذليل عقبة الانقسام الفلسطيني ، لم يقل البيان أن المنظمة والسلطة ستبذلان كل جهد متاح لإنهاء الانقسام قبل الانتخابات.. جل ما صدر عنها "نداء فارغ من كل مضمون" حول الحاجة لتأجيل القضايا الخلافية ، سياسية كانت أم أمنية ، وإحالتها على المجلس التشريعي المنتخب لتُحسم هناك.. لم يقل البيان كيف يمكن لعناصر حماس وقيادتها في سجون السلطة وتحت مرمى أجهزتها الأمنية أن تخوض غمار الانتخابات في الضفة.. لم يقل كيف يمكن لها أن تجري انتخابات في غزة الخاضعة لسيطرة حماس.. لم يقل البيان كيف سيتم تنظيم الانتخابات في القدس ، وما إذا كانت حكومة اليمين واليمين المتطرف ستسمح بإجرائها ، وبمشاركة جميع القوى السياسية ، حكومة نتنياهو التي تبعد قادة حماس وتعتقل نواب القدس وتنفيهم.
كل هذه تفاصيل لا قيمة لها من وجهة نظر "الديمقراطيين الجدد".. فالمزاج الديمقراطي للسلطة عال العال.. المهم أن نذهب إلى صناديق الاقتراع ، في أكبر موسم انتخابي تعرفه مناطق السلطة.. "أربعة انتخابات بقرار واحد وسنة واحدة" على طريقة الدعايات الإعلانية الترويجية لبعض السلع.. وكل ذلك بعد ليلة واحدة قضاها فريق رام الله من دون حسني مبارك وعمر سليمان.
هل هي يقظة حقيقية على الحاجة لإصلاح النظام السياسي الفلسطيني.. هل هي روح ميدان التحرير وقد طافت فوق رؤوس "الأخوة" في رام الله؟.. أم أننا أمام مناورة إلهاء للرأي العام الفلسطيني وصرف النظر عن فضائح وثائق الجزيرة التي ثبتت صحتها بدلالة استقالة كبير المفاوضين.. هل هي صحوة ديمقراطية أم عملية خداع وصرف انتباه الفلسطينيين عن ثورة الشعب المصري التي وقفت القيادة الفلسطينية منها موقفاً سلبياً منذ "الاتصال الهاتفي للاطمئنان على سلامة مبارك".
لن تجري الانتخابات في الموعد المحدد ، اللهم إلا إذا كان هذا الفريق قد قرر الذهاب في مشروع "السلام الاقتصادي" ودويلة الكانتونات" إلى نهاية المطاف ، وأحسب أنه بات أضعف من أي يفعلها.
نحن نستبعد ذلك ، فـ"الجماعة" فقدوا السند والغطاء في القاهرة ، وهم كسعد الحريري وجماعته في بيروت ، يبحثون عن مظلة اعتدالية عربية فلا يجدونها.. المملكة العربية السعودية سحبت يدها رسمياً وبقرار معلن من وزير خارجيتها ، من الملفين الفلسطيني واللبناني ، و"مصر ما بعد حسني مبارك" لديها حتى إشعار آخر ، ما هو أكثر أهمية من "الورقة المصرية" ومناورات بعض أركان السلطة المستوحاة من روح العمل الطلابي ومناكفاته.
هي مناورة ، ولعبة شراء وقت وصرف انتباه.. هي محاولة لرمي الكرة في ملعب حماس التي كانت سترفض حتماً إجراء الانتخابات في ظل الانقسام.. هي وقت مستقطع يراد به الوصول إلى شهر الاستحقاقات المزدحمة في أيلول المقبل ، بأقل قدر من "غضب الضفة" وسخط الشارع وهتافاته المدوية.
لقد سئم الشعب المصري رئيسه الذي قضى في سدة الحكم ثلاثين حولاً.. والأرجح أن الشعب الفلسطيني سئم حد الضجر ، من رموز قضت في سدة اللجنة التنفيذية قرابة الأربعة عقود من الزمان.. شاخت وشكلت الأخاديد ملامح وجوهها وهي "على الهواء" يومياً.. إنها قصة مملة ومضجرة ، ولا تليق بشعب الجبّارين ، خصوصا في الزمن المصري والتونسي الجميل.
(الدستور)