الترشيحات التالية بعد تونس ومصر

يتساءل كثير من الناس في العالم العربي عن الدول التالية التي ستكون مرشحة لتكرار ما حدث في تونس ومصر ، وتأتي الإجابة أحيانا على سبيل التحليل ، وأحيانا على سبيل الأمنيات ، وهنا يختلف المتسائلون بحسب جنسياتهم ، وأحيانا بحسب مواقفهم السياسية ، ولا يستثنى من ذلك الكتاب الذي يخلطون بدورهم التحليل بالأمنيات.
ما ينبغي أن يلفت الانتباه ابتداءً هو تلك التنازلات التي قدمتها بعض الأنظمة للشعوب ، والتي لم يكن الكثيرون يتصورنها قبل أسابيع ، أعني قبل الثورة التونسية ، وفي مقدمتها التنازلات التي قدمها النظام اليمني للمعارضة ، فضلا عن عدد من التغييرات أو الإصلاحات ، وربما المنح التي قدمت للناس في عدد من الدول ، فضلا عن وعود في أخرى تتراوح من حيث القيمة والأهمية.
في هذا السياق ، ومن دون أن ننكر إمكانية خلطنا التحليل بالأمنيات ، نرى أن اليمن قد يكون في مقدمة المرشحين ، وفي ظني فهو كان مرشحا للتغيير الجذري ، وليس الترقيعي ، قبل تونس ومصر ، إذ أننا إزاء نظام وضع البلاد برسم التقسيم ، فيما أفقر العباد بسبب الفساد الذي يعد الأسوأ بين دول العالم أجمع ، وليس الدول العربية فقط.
والحق أن وعود الرئيس بعدم التمديد ولا التوريث لا ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد من قبل قوى المعارضة ، إذ سبق للرئيس أن وعد بأنه لن يترشح للرئاسة ، ثم عاد وترشح ، وأتذكر هنا رهانين مع بعض الأصدقاء تعلق الأول بوعد الرئيس اليمني بأنه لن يترشح ، ووعد نجل الرئيس الليبي بأنه سيترك السياسة ، وفي الحالتين كسبت الرهان ، مستغربا وجود من يصدق وعودا من هذا النوع ، أقله قبل ثورة تونس ، وتاليا مصر.
الآن ، وفي ظل الأوضاع الراهنة يبدو من الصعب الجزم بصدق الوعد من كذبه ، إذ سيعتمد ذلك ابتداء على الحراك الشعبي الداخلي ، ومن ثم مجمل الظروف المحلية والإقليمية والدولية ، لكن ما ينبغي أن يقال هو أن ترك النظام يتغير من تلقاء نفسه ، وعبر ذات الآليات التي سار عليها لعقود إنما يعني أن من سيخلف الرئيس لن يعدو أن يكون نسخة منه ، فيما سيبقى الحزب الحاكم هو ذاته الذي يهيمن على كل شيء في البلاد ، ما يعني أن من الأفضل لقوى المعارضة أن تواصل إصرارها على التغيير الشامل مهما كانت الوعود ، وهي قادرة على ذلك إذا كسرت حاجز التردد والخوف ، وفي مقدمتها الإخوان.
الدولة الثانية المرشحة للتغيير هي ليبيا. وهنا حاول النظام خلال الأسابيع الأخيرة (إضافة إلى تصريحات تثير السخرية) تقديم بعض الرشاوى للناس من أجل شراء سكوتهم ، وهي رشاوى لا تعدو أن تكون سببا للإدانة وليس سببا للسكوت ، لأن الأموال التي تدفع ليست من تعب العقيد ولا عائلته ، بل هي أموال البلد التي ضاع أكثرها في مغامرات لم يستفد منها الشعب الليبي.
في ليبيا مصائب تجعل من عدم خروج الناس إلى الشوارع بعد تونس ومصر أمرا بالغ الغرابة ، فهنا ثمة دولة تملك من الثروات ما ينبغي أن يمنح مواطنيها وضعا اقتصاديا يوازي نظراءهم في أغنى الدول الأوروبية ، الأمر الذي لا يحدث ، حيث تهيمن فئة محدودة على السلطة والثروة ويعيش الناس في أوضاع صعبة ، أو قطاع لا بأس به منهم في أقل تقدير. أما الذي لا يقل أهمية فيتمثل في غياب العدالة والحرية والتعددية ، وملامح التوريث الظاهرة للعيان.
في السابق كان النظام يبيع على الناس الثورية والقومية والتحرر ، أما بعد أن دفع كل تلك الأثمان الباهظة من أجل الخروج من تلك الدوائر وشطب اسمه من ملفات الإرهاب ، فلم يعد ثمة مبرر لسكوت الناس على الحال الذي يعيشون فيه.
الأرجح في ضوء ذلك أن يبدأ الناس بحراك ما خلال المرحلة المقبلة ، اللهم إلا إذا كانت هناك جملة من الإصلاحات التي تنفس الاحتقان ، الأمر الذي لا يبدو متوقعا إلى حد كبير.
بعد هاتين الدولتين ، هناك دول أخرى تدخل قائمة الترشيح ، ومن بينها الجزائر التي تعيش البؤس رغم ثروتها الهائلة ، ولعل مخاوف عنف التسعينيات هي التي تحول دون انفجار سريع. ويبقى أن الحراك الشعبي من أجل إصلاح حقيقي وليس تغيير جذري سيشمل العديد من الدول ، من بينها دولة نفطية كبيرة ، مع العلم أن عدم الاستجابة لدعوات الإصلاح قد يدفع الناس نحو تبني مطلب التغيير الجذري.
(الدستور)