أبعاد عربية للثورة المصرية

ما حدث في مصر ليس انقلاباً عسكرياً بل ثورة شـعبية، وإذا كان ما حدث في تونس يخص تونس، فإن ما حـدث في مصر يخص العالم العربي كلـه.
مصر أكبر دولة عربية عانت من الجمود والشيخوخة، واستقالت من دورها العربي، وهي الآن مرشـحة لأن تسترد هذا الـدور المحوري.
بدون مصر أصبح العالم العربي مجرد غنيمة يسـيل لها لعاب الجوار الأقوياء الطامعين، إسـرائيل، إيران، تركيـا (ونترك أميركا جانباً مؤقتاً).
مصر الحرة تستطيع الآن أن تسـترد شبابها، ودورها العربي الذي كان لها حتى 5 حزيران 1967، ليس لأنها تطلب دوراً بل لأن الـدور العربي يطلبها.
النظام السابق لم يسـمح بقيام معارضة ديمقراطية من خلال المؤسسات الدستورية فقامت المعارضة من خلال الشـارع. وكان من الطبيعي أن تتحول لمواجهة النظام الذي أغلق باب الإصلاح من داخل النظام. وبدلاً من تداول السلطة تم إسـقاطها.
اسـترداد مصر لدورها ونهوضها بهذا الدور ليس مسألة وطنية مصرية فقـط، بل مسألة قومية، تهم الأمة العربية بأسـرها، التي تريد الخروج من مرحلة التراجع والاستسلام، وقد أفقـدها نظام مبارك دورها القومي القيادي، الأمر الذي يفسر احتفال الأمة العربية من المحيط إلى الخليج بانتصار الثورة المصرية باعتباره انتصاراً عربياً وعـودة للروح الذي فقـدت لمدة طويلة.
في ظل مبارك قامت مصر بدور سـلبي تابع، فقد أسهمت في تحريض أميركا على العراق ثم سـاعدتها على احتلاله، وحاصرت قطاع غزة، وجعلت الاستسلام العربي لإرادة إسرائيل قراراً استراتيجياً عربياً، وتخلفت في السباق النووي.
نجاح الثورة المصرية باتجاه الديمقراطية لا يعني بالضرورة قيام ثورات مماثلة في البلدان العربية، فالكلفة باهظة، بل يعني تحقيق نتائج مماثلة، فالإصلاح والتحـول الديمقراطي أصبح ضرورة حتمية مفـروغاً منها، لأن البديل معروف، ولا يستطيع أحد أن يقـف في وجه حركة التاريخ.
الدرس واضح : أميركا لا تحمي حلفاءها الذين يخسرون شعوبهم، فهي تريد حلفاء مقبولين في بلادهم، قادرين على الإنجاز، وليس حكاماً أعباء يحتاجون أميركا لتحميهم من شعوبهم.
أولويـة أميركا هي مصالحها الاقتصادية والإسـتراتيجية، ولكن هنـاك أيضاً قيماً أخلاقية ومعنوية والتزاماً بالديمقراطية، ومحاولة للتوفيق بين المصالح والقيم.
(الراي)