إصـلاحات لا تنـازلات

هناك إغراءات قوية تدفع الحكومة في الظروف الراهنة لتقديم التنازلات بدون حساب لإرضاء بعض الفئات الضاغطة، ولو كان ذلك على حساب المصلحة العامة، وشكلاً من أشكال ترحيل المشاكل إلى المستقبل.
هذه الحكومة جاءت ومعها تفويض بعملية إصلاح سياسي واقتصادي ومالي، ومن شأن الإصلاحات الجذرية أن ترضي كثيرين فيلوذون بالصمت، وإن تغضب قلة فترفع أصواتها بالاعتراض، وبذلك لن نسمع من ردود الفعل سوى الاعتراضات.
هناك فرق جوهري بين الاستجابة لطلبات أصحاب الأصوات العالية لشراء سكوتهم، مما يقع في باب الابتزاز، وبين الاستجابة لمطالب شـعبية عامة تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة، مما يستوجب صدور القرارات اللازمة لتصويب أوضاع سياسية واقتصادية ومالية، خاصة وأن عمليات الاسترضاء لا يمكن أن تتم إلا على حساب تفاقم المشاكل المطلوب تصويبها، وفي المقدمة العجز الكبير في الموازنة، وما يتبعه من مديونية متصاعدة تهدد الاستقرار الاقتصادي.
تقديم التنازلات على حساب المصلحة العامة عملية سهلة، وإذا لم تقدمها حكومات سابقة فلا بد أن هناك أسباباً وتكاليف حالت دون ذلك وما زالت قائمة.
على العكس من ذلك فإن عمليات الإصلاح الحقيقي أكثر صعوبة، ولا تقوم بها إلا حكومات تثق بنفسها، فإطلاق الحريات العامة يعني أن الحكومة تقبل النقد والكشف عن التجاوزات، وقانون انتخاب ديمقراطي يعني قبول التعايش مع برلمان قادر على المحاسبة والمساءلة، وتخفيض العجز في الموازنة العامة يعني إثارة غضب المستفيدين من السخاء في رش المال العام على مطالبهم الأنانية. وهكذا...
حكومة الدكتور معروف البخيت الحالية ليست مجرد حلقة في سلسلة من الحكومات المتعاقبة، فهي تأتي في ظروف حساسة، وتحمل تكليفاً وتفويضاً بالتحرك السريع، كما أنها تضم عدداً من الشخصيات العامة التي لم تشارك في الحكومة لمجرد استكمال العدد وتمثيل الجغرافيا، لذلك فنحن نتوقع منها الكثير، ونرجو أن لا نتوقع من الإعلام الحر تطبيلاً وتزميراً بل نقداً وتحريضاً وضغطاً.
عمليات الإصلاح السياسي والاقتصادي والمالي قـد تحتاج لبعض الوقت، ولكن القرارات والتوجهات الخاصة بها لا تقبل الانتظار، ويجب أن ترد بوضوح في البيان الوزاري.
(الراي)