الخـُلعْ السياسي!!

رغم ان الطلاق هو أبغض الحلال ، الا ان هناك حالات يصبح فيها ضرورة للخلاص لا مناص منها ، والمجتمعات العربية التي طورت الطلاق الى خلع ، نجح المحامون في تنفيذه لم يتوقف تطويرها هذا عند حدود الأحوال الشخصية والمدنية ، اذ سرعان ما أصبح الخلع السياسي ممكناً ايضاً ، واذكر ان فيلماً عربياً بعنوان "أريد حلا" كان يصور حياة زوجة مهملة الى جحيم لعب دوراً في تحريض أهل القانون على البحث عن مخارج من هذه الزنازين الاجتماعية ، خصوصا بعد أن اصبحت المرأة انساناً مشاركاً وليست مجرد دمية تلهو في بيتها كما قال هنريك ابسن في مسرحيته الشهيرة عن المرأة عندما تتحول الى رهينة،
ومن كانوا يصفون بعض النظم العربية بأنها باترياركية أو أبوية كان عليهم ان يضيفوا الى هذا الوصف تجلياته وما يتفرع عنه ، فالباترياك أب وزوج ايضا ، ولهذا اهتدت الشعوب الى طلب الطلاق عقودا عدة لكنها عندما يئست كتلك السيدة التي مثلت دورها فاتن حمامة في فيلم "اريد حلا" لجأت الى محامين طالبوا بالخُلع ، فالطلاق سياسي ايضا وله درجات ومراتب ، لكن آخره الحاسم هو البائن بينونة كبرى ، أو الطلاق بالثلاثة كما يقال..
ان مرحلة الخُلعْ السياسي التي سرت عدواها في مطالع هذا العقد من الالفية الثالثة قد لا تتوقف عند حدّ ، لكن المتغير فيها هو تفاوت حالات الزواج أو أنماط النظم الباترياركية.
وما حدث للمرأة العربية منذ غادرت بيت الدمية ، واستشعرت استحقاقاتها الانسانية يحدث الآن للأمة كلها ، نذكر مثلاً ان اكاديمية عربية في أواسط القرن الماضي طالبت بحذف نون النسوة من كتب النحو ونذكر ايضاً ان أحد المتطرفين والراديكاليين في موقفهم المضاد لحرية المرأة ذهب الى بيت قاسم أمين وعرض عليه طلباً غير أخلاقي يخص امرأته ، لأنه كان يدعو الى تحرر المرأة ، وما للمرأة العربية الحق في أن تقوله الآن بعد أن أصبحت طبيبة ووزيرة وفدائية وخبيرة هو ذاته ما يحق للأمة كلها ان تقوله بعد ان جاعت وتشردت وهزمت في حروب لم تشارك فيها وديست كرامتها الوطنية وجثمت كل أشكال الاحتلال على صدرها..
العرب خلال القرون الثلاثة الماضية على الأقل دفعوا أثمان استقلال باهظ التكلفة ، وقاوموا عندما أتيح لهم ذلك ، وهم أشبه بعنترة العبسي الذي قال له سيده شداد أنقذ نساء القبيلة ومنهن ابنة عمه وحبيبته عبلة ، يومئذ أجاب عنترة سيده الذي رفض أن يعترف به ابناً بقوله: أنا عبد لا يحسن الكر ، إنما يحسن الحلب والصرّ ، لكن ما إن قال شداد لمن كان عبده كر وأنت حر حتى انطلقت من جسده كتائب من الفرسان..
العرب لم يَكًروا بعد ، لأنهم كما رأى السادة لا يحسنون غير الحب والصر ، لهذا فهم لم ينهزموا لأنهم لم يحاربوا ولم يحرروا أنفسهم وأوطانهم لأنهم رهائن.. ان الوصول الى الطبعة الجديدة والمنقحة من الطلاق البغيض الى الله والناس كان سببه تفاقم كظم الغيظ وابتلاع اللسان ، وما هذا الخلع السياسي الا التعبير الدقيق عن كيل طفح وسيل تجاوز الزبى ، وانتظار عقيم لجودو في مسرحية بيكت الذي يأتي ولا يأتي،،
(الدستور)