عين على الفقراء وأخرى على الأرقام

أيهما أهم الأمن والسلم الاجتماعي أم الاستقرار المالي، أسئلة تدور في رأس كثير من المسؤولين الذين يخشون الانقلاب على النهج الاقتصادي المطبق منذ سنوات طويلة، باتخاذ قرارات تخفف عن الناس حملهم الاقتصادي.
ويبدو التردد جليا في تصريحات المسؤولين، ما يجعل صورة الأولويات في أذهانهم سرابية وغير واضحة، ويشتت سياساتهم ويجعل إحدى عيونهم موجهة للناس والثانية على الأرقام.
ففي الوقت الذي يرى منظرو الاقتصاد أن مشاكل مالية كالعجز الذي يتوقع أن يصل 1,16 بليون دينار نهاية العام الحالي، والدين العام الذي يرجح أن يقارب 11.9 بليون دينار مع نهاية العام أهم من معالجة مشكلات اقتصادية اجتماعية، يرى فريق ثان أن الأخيرة أولوية من دون أدنى شك.
للأمانة لا يبدو الخيار سهلا أمام صناع القرار، فمن ناحية لا يجوز ترك الباب مفتوحا لتفاقم مشاكل تهدد الاستقرار المالي والنقدي للاقتصاد الوطني، خصوصا أن الإصلاحات التي تمت خلال الفترة الماضية أسهمت بتحسين صورة الأردن الاقتصادية على الأقل في الخارج.
أما الجانب الأخطر، فيتعلق بالآثار الاجتماعية الخطيرة التي أنتجها النهج الاقتصادي، حيث زادت معدلات الفقر لتبلغ التقديرات غير الرسمية لهذه المشكلة نحو 50 % السكان"، فيما تقدرها الأرقام الرسمية بحوالي 13 %، والبطالة ارتفعت هي الأخرى وتفشت بين الشباب على وجه الخصوص.
ولم تترك السياسات الاقتصادية المستوى المعيشي للناس بحاله، حيث بات هم الناس اقتصادي بالدرجة الأولى، واحتياجاتهم المالية في تزايد، وسط حالة من عدم الرضا عن تفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء بشكل ملحوظ وكبير، وكلام لا أحد يدري مدى دقته وحجمه الحقيقي حول الفساد، ما يفاقم حالة الاستياء لدى العامة نتيجة هذه الظروف التي ترافقها مسلكيات وقرارات عكست لا مبالاة رسمية بمشاكل الناس الاقتصادية.
اليوم ونتيجة المشهد السياسي المتسارع محليا واقليميا يخضع المسؤول لهذا الخيار الصعب، ليقرر في نهاية اليوم أيهما أبقى وأسلم للعبور من هذه المرحلة الخطرة.
وعلى الحكومة أن تحسم توجهاتها بين التركيز على الأرقام من عجز ودين، أو الالتفات إلى الناس التي أنهكها الوضع الاقتصادي الصعب ووصلت حد الإشباع من القدرة على تحمل المزيد من الفقر الجوع والضرائب، التي استنزفت مداخيل الأسر أو ربما عليها الجمع بين الأمرين.
مرة أخرى أقول إن ثمن علاج المشاكل الاقتصادية التي أتى بها النهج الاقتصادي كبير على الاقتصاد وضار بالارقام، لكن ما وصلت إليه من مرحلة حرجة وحساسة يجعلنا نتجه لـ"الكي" وهو آخر الحلول.
الزمن يمضي والمهلة الزمنية المتاحة للتخفيف من مشاكل الأسر التي تعاني معظمها من عجز مزمن في موازناتها قصيرة، وتأجيل الحل من أجل الحفاظ على أرقام صماء لن يجدي نفعا لو خرج الناس للتعبير عن احتياجاتهم وآمالهم.
قد يكون لدى خبراء المالية كثير من المبررات المقنعة لإهمال الجانب الاجتماعي من حساباتهم، بيد أن مبررات علم الاجتماع أكثر إقناعا، وحاجات الناس أكثر إلحاحا وأشد خطورة.
خيارات الحكومة محدودة وأحلاها مر، فمن سيكسب الجولة، تطلعات الناس أم قناعات المسؤولين؟ سؤال سننتظر الإجابة عنه.
(الغد)