توريث العجز والمديونية من المسؤول ؟

كل حكومة جديـدة تشـكو من أن الحكومة التي سـبقتها أورثتها عجـزاً كبيراً في الموازنة العامة وارتفاعاً في المديونية، وتتعهـد بأنها بدورهـا لن ترحـّل المشاكل إلى المستقبل أو تشتري وقتـاً.
لكن الحكومات الشاكية لم تقصـّر بدورها في توريث الحكومة التي تليهـا عجزاً كبيراً أو مديونية ثقيلـة، وبالتالي يتحـول المشتكي إلى مشتكى عليه وهكذا.
الدين العام يورث فعلاً، ولكن الحكومة ليست مسؤولة عن حجم المديونية كما تسلمتها، بل عن الزيادة في المديونية التي تمت في عهـدها.
أما عجـز الموازنة فلا يورث لأن كل موازنة تبدأ من الصفر، وتسـتطيع الحكومة إذا شاءت أن تتشـدد فتخفض العجز، أو أن تتساهل وتسمح للعجز بالارتفاع. لكن عجـز سنة ما لا يفرض عجز السـنة التالية، الذي يمكـن أن يزداد أو ينقص حسب سياسة الحكومة ومـدى حسـها بالمسؤولية.
الحكومة السـابقة ورثت مديونية صافية تبلـغ 9660 مليون دينـار أو 54% من الناتج المحلي الإجمالي لسـنة 2009، وأورثت الحكومة التالية مديونيـة تبلغ 11250 مليون دينار أو 58% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أن المديونية لم ترتفـع بالأرقام المطلقـة فقط بل ارتفعـت كنسـبة من الناتج المحلي الإجمالي أيضاً، لأنها كانت تنمو بأسـرع من النمو الاقتصادي العام بالأسـعار الجارية.
لو جرى تطبيق مشـروع الموازنة لسنة 2011 فإن الخزينة كانت سـتقترض أكثر من مليار دينار، غير اقتراض المؤسسات الحكومية ذات الموازنات المستقلة، مما يشـير إلى الإدمان على الديـن في إدارة القطاع العام لدرجـة لم تعد مأمونة، ولا يجوز أن تسـتمر لمجرد استرضاء هذه الجهة أو تلك على حساب الأمن الاقتصادي.
أسـوأ سياسة يمكن الأخذ بها هي تأجيل القرارات الصعبة، واللجوء في المقابل إلى التنازلات والتساهلات لشـراء الوقت وترحيل المشـكلة إلى المسـتقبل، الأمر الذي يتطلب تحـويل وزير المالية إلى موظف يؤمـر فيطيع ويلبي الطلبات، بدلاً من أن يكون المدير الصارم لماليـة الدولـة.
صندوق النقـد الدولي الذي يراجـع الأداء الاقتصادي بشـكل دوري لم يحذر من خطر تفاقـم المديونية طالما أن الدائن الأجنبي مضمون بوجود 12 مليار دولار لدى البنك المركزي. ولكن ماذا عن خدمة الديون التي تأكل نسبة متصاعدة من الموازنة العامـة؟.
(الراي)