هل يعود صندوق النقد من جديد?

تخفيض التصنيف الائتماني للاردن من قبل بعض المؤسسات المالية الدولية اعتمد اساسا على عدم الاستقرار في الموازنة وتنامي العجز المالي الى مستويات كبيرة في ظل تراجع تدريجي للايرادات, وان كان تم توظيف اسباب التخفيض الى اضطرابات الوضع السياسي في المنطقة.
الواقع ان تلك المؤسسات عندما رفعت من تصنيفات المملكة الائتمانية كانت مستندة الى تقارير وتقييمات هيئات اقتصادية عالمية مثل البنك والصندوق الدوليين اللذين واصلا زياراتهما للاردن والاطلاع على سير الخطى الاقتصادية للحكومات المختلفة.
في الواقع ان الاوضاع الاقتصادية او المؤشرات الكلية للاقتصاد الوطني لا تعطي دلائل ايجابية من ان المملكة تسير باتجاه الاستقرار الاقتصادي الذي يساعد على جذب الاستثمارات وتنمية بيئة الاعمال.
التطورات السلبية التي طرأت على الاقتصاد الاردني تمثلت بعودة العجز المالي في الموازنة الى مستويات كبيرة باتت تقلق المراقبين, فبعد ان كان لا يتجاوز الـ 200 مليون دينار في السنوات الاربع الاولى من العقد الماضي ارتفع الى 1.5 مليار دينار او ما نسبته 10 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي في بعض السنوات.
ولا شك ان حجم المديونية مرتبط تلقائيا بتنامي العجز, فكابوس الدين عاد يلوح بالافق من جديد وبلغ الان حاجز الـ 11.74 مليار دينار ويشكل الدين الداخلي اكثر من 60 بالمئة منه.
الخلل الابرز الذي اصاب سياسات الدولة الاقتصادية هو حالة الانفاق غير المبرر في شتى المجالات, بحيث ان النمو في الانفاق ارتفع بنسبة فاقت الـ 150 بالمئة في السنوات العشر الماضية في حين ان النمو الاقتصادي المولد للدخل الذي هو اساسا لتغطية ذلك الانفاق لم تتجاوز نسبته الـ 60 بالمئة.
حالة الجنون الانفاقي الرسمي كانت واضحة من خلال تفريخ المؤسسات والهيئات المستقلة والتي باتت اليوم في وضع اقتصادي محرج, حيث تحول وفرها المالي لعجز مزمن يقترب من نصف مليار دينار ومديونيتها تتجاوز الملياري دينار وحدها بعيدا عن عجز ومديونية الخزينة.
الخطورة الاقتصادية في المشهد المحلي اليوم يتمثل في فقدان الدولة لادواتها واصولها الاستثمارية بعد ان باعتها ضمن برنامج التخاصية, فلم تعد تملك الخزينة المرونة وباتت تعتمد على الايرادات الضريبية والمساعدات.
الشكل السابق يدفع المؤسسات الدولية الاقتصادية الى وضع خطوط حمراء على ملف الاردن الاقتصادي لديها, وهذا يؤثر على جملة من السياسات العالمية المتعلقة بجاذبية الاقتصاد الاردني وقدرته على مواجهة أية تحديات, مما يؤثر سلبا على المانحين الذي يطالبون ببرامج اصلاحية واضحة في الشأن الاقتصادي مقابل تلك الاموال التي يدفعونها.
اذا لم تقم الحكومة بوضع برنامج اقتصادي وطني محدد الاهداف والزمان, ويكون ضمن حوار تجمع تتوافق عليه فعاليات الدولة المختلفة فان الاقتصاد الاردني سيدخل في نفق مظلم, وسيعود صندوق النقد الدولي لفرض شروطه على الحكومات من خلال برامج التصحيح الاقتصادي التي تخرجنا عام 2003 منها بعد 14 عاما من العمل المتواصل بها وحينها ستبدأ سياسات تقشف من نوع آخر وهو امر لا يرغب برؤيته احد في الدولة.
(العرب اليوم)