الهوية والفكرة الكبرى

تم نشره السبت 27 نيسان / أبريل 2019 12:45 صباحاً
الهوية والفكرة الكبرى
د.باسم الطويسي

لا یتردد كثیرون من وصف الصراعات المحتدمة في العالم في آخر ثلاثة عقود بانھا صراعات ھویة بامتیاز. وھذا لیس بالجدید، الجدید كیف نبني مفاھیم مختلفة للتقدم والتغیر الاجتماعي والثقافي تقود إلى تغییر اقتصادي انطلاقا من تغییر النظرة للھویة، أي كیف تتحول الھویة من فكرة مشغولة بالماضي وبإعادة تفسیر الذكریات الجماعیة إلى قوة تتقدم بالجمیع إلى الأمام من خلال قوة الھدف المشترك. أي بیئة محفزة على تغییر العلاقات التقلیدیة ونسج علاقات جدیدة في بیئة محفزة تغیر مفاھیم العمل والانتاج والنجاح. في العقود الأخیرة انشغلت الكثیر من النظم السیاسیة والثقافیة بفكرة الھویة المشتركة أو الھویة الجامعة وھي محاولة لترقیع الھویات ومع ان الذین انشغلوا بھذا الاطار طرحوا فكرة تجاوز الھویات الفرعیة الا انھم رسخوھا عملیا، ونكتشف الیوم انھم ابقوا مجتمعاتھم في اطر ما قبل الحداثة لأن الانشغال بالماضي والذكریات الجماعیة بقي ھو المھیمن، أي أن ما حدث لم یتجاوز الجمع دون الانصھار والتلفیق ولیس التوافق، دون تجاوز المفھوم التقلیدي للتنوع. وفي معظم تجارب ھذا النمط من المجتمعات كان التنوع قشرة سطحیة تخفي خلفھا بذور الانقسام وتضعف التطور الاجتماعي والثقافي الذي یفترض أن یقود إلى الھدف المشترك وقوة التوافق التي من المفترض ایضا أن تتحول قوة سیاسیة ورأس مال اجتماعي محفز على التغییر واحداث الاختراقات الاقتصادیة في الأسواق وفي الانتاج وفي العلاقات بین الدولة والمجتمع وبین السوق والمجتمع وفي ازدھار الثقة العامة. دراسات الھویة الجدیدة تستلھم من التجارب الحدیثة وتفید من الوصفة التي تجعل الھویة تتجاوز الماضي والملامح الثقافیة التقلیدیة للجماعات، واعادة تشكیلھا على قوة الھدف الوطني الكبیر القادر على جمع الناس والجماعات والنخب والطبقات والمؤسسات حولھ، انھا ھویة مركزیة لا تعمل لشيء أكثر من التقدم والتجاوز وتعظبم فھم مشترك للصالح العام؛ كما فعل جولیوس نیریري في تنزانیا ولي كوان یو في سنغافورة كما فعلت النخب الجدیدة في دولة صغیرة

ومنھكة بالحروب والفتن مثل روندا. الالتفاف حول ھدف كبیر أو فكرة كبرى، یعني احداث تغیر تاریخي في مزاج المجتمع وشعوره وادراكھ للعلاقات وإعادة تشكیل التوقعات العامة، في المحصلة تغیر ثقافي تاریخي في النظرة إلى الذات وإلى الآخرین وفي النظرة إلى العمل والانتاج وإلى الماضي والحاضر والمستقبل، وھذا الانتقال العظیم نتیجة لثلاثة عوامل كبیرة في مسار بناء الدولة الحدیثة، الأول : بناء دور القانون في الحیاة العامة أي اعادة بناء العلاقات على صرامة القانون ونفاذه على الجمیع. ان یتحول القانون إلى اداة مطلوبة ومرغوبة لتحقیق الصالح الخاص والعام أي بناء مجتمعات مؤسسة على وضوح قانوني، وبالتالي یتحقق نفاذ القانون وتتحقق قوة الردع العام التي تتحول مع الزمن الى ثقافة للمجتمع وللمؤسسات ویتحقق الامتثال العام، العامل الثاني : كفاءة المؤسسات المعنیة بتقدیم الخدمات العامة ویشتمل ذلك المزید من الاختصاص والمسؤولیة والمساءلة وبناء القدرات والتنظیم ببعدیھ المؤسسي القانوني والاخلاقي، ان بناء مؤسسات كفوءة وفعالة ھو ما یمھد الى تطویر الأسواق وما یقود إلى متتالیة من النجاحات والابتكارات الاجتماعیة والاقتصادیة التي تعمل على تحسین نوعیة الحیاة. العامل الثالث : بروز قادة وطنیین قادرین على العبور في اللحظات التاریخیة بمجتمعاتھم وتوفیر الظروف الملائمة للانتقال العظیم من خلال قربھم من الناس ومعرفتھم ومن خلال اتصالھم الوثیق بالعالم والمعرفة والقدرة على تقدیم الابتكارات والحلول السیاسیة للمشاكل، ھذا لا یعني العودة إلى دور الأفراد في التاریخ ولا تجاوز الأدوار التقلیدیة للادوات الدیمقراطیة. إن الخبرات الجدیدة تفید بان الھویة قد تتجسد بھدف كبیر یجمع الناس حولھ، وقد تتجسد بفكرة كبرى ذات مضمون عظیم وقادرة على خلق توافق واختراق، فقد تعبت المجتمعات من إعادة تفسیر الماضي ومن تقسیم الأوطان على حدود الذكریات الجماعیة المتعبة.

الغد- الجمعة 26-4-2019



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات