أربكان يرحل بعد فتح القسطنطينية

"نعم الأمير أميرها.. ونعم الجيش جيشها"! كثر من الصحابة ومن بعدهم حاولوا أن يكونوا بشارة النبي في فتح القسطنطينية، وإلى اليوم، ما تزال قبور الصحابة تزين الشق الأوروبي من اسطنبول.
وكان من إنجازات رجب طيب أردوغان في بلدية اسطنبول إحياء المنطقة التي تضم قبر الصحابي أبي أيوب الأنصاري، وحوّلها من شاطئ للصرف الصحي إلى حدائق غناء.
لم تكف الروح الاستشهادية وحدها، احتاج الفتح إلى قائد مثل محمد الفاتح يجمع بين الذكاء والقدرات المادية والروح الاستشهادية. فتحققت البشارة على يد "نعم الأمير".
وفي معركة نجم الدين أربكان لفتح قلعة العلمانية الاقصائية، كانت روح الفاتح تتملكه. لم يكل ولم يضعف ولم يجبن. شكل أربعة أحزاب حُلّ ثلاثة منها، وظل ضحية لانقلابات كهنة العلمانية في الجيش والقضاء.
ما نشهده في تركيا اليوم، هو غرسه الذي أينع، وطلابه الذين اختلفوا معه وشكلوا "العدالة والتنمية"، ظلوا أوفياء له في حياته وبعد مماته. وفي تأبينه، أكد أردوغان أن روحه النضالية ستظل تؤثر فيهم. لقد شاهد قبل رحيله كيف تحول خصومه من الضباط إلى متهمين في قضايا "أريجنكون"، العصابة المافيوية التي تضم غلاة العلمانيين في الجيش والقضاء والتعليم ورجال المال والإعلام. لم يعد التيار الإسلامي في موقع الدفاع يتلقى الضربات، غدا يمسك زمام المبادرة ويعيد بناء تركيا الحديثة التي تعيش زمانها الحديث وتنتمي لترابها الأصيل.
الإسلاميون وإن تشرفوا بوقوفهم مع الفقراء والمحرومين، إلا أنهم لم يكونوا دائما من بيئات السخط والغضب التي لا ترى العالم خارج بيت الصفيح. أربكان، الذي طور صناعة الدبابات الألمانية وصنع أول محرك تركي وأدخلها عالم الصناعات الثقيلة، أكثر ذكاء من ضباط لم يغادروا ثكناتهم، وإن كانوا لا يزورون قبر محمد الفاتح فإنهم يقدسون قبر أتاتورك، وينصبون أصنامه في مكاتبهم.
أربكان يعرف العالم الحديث جيدا، وانخرط فيه وتقدم على أبنائه من دون أن يتخلى عن هويته الحضارية الإسلامية. وهذا حال الحركة الإسلامية عموما.
غير أربكان يستعلي، بعلمه وماله، على بلده وعلى أمته ويتأذى من روائح الفقراء، ويشمئز من المرور بقراهم وأحيائهم، ويبقى في المانيا، أو ينعزل في قصر منيف، ويصنع عالمه المستقل. لكنه بإنسانيته كان يرى أن من حق كل تركي أن يأخذ الفرص والإمكانات.
وتلميذه أردوغان واحد من الذين نشؤوا في أحياء الفقر، وكان يبيع اللموناضة في الشارع، فجعل منه رئيسا لبلدية اسطنبول، التي ظلت حكرا على الأغنياء الفاسدين.
في أوج صعود حزب العدالة والتنمية في العام 2003، وتراجع حزبه، سأله الصحافيون: أليسوا طلاب مدرستك؟ قال: إنهم كانوا يهربون من المدرسة.
لم يستوعب الشيخ أن يتمرد طلابه، وإلى آخر يوم كان يصر على منافستهم في الانتخابات. وفي هذا درس مهم، حتى داخل التيار الواحد تظل الانتخابات هي الأداة الوحيدة لحسم الخيارات.
(الغد)