التدخل في الشؤون الداخلية

القاعـدة الطبيعية في العلاقات بين الدول المسـتقلة هي عـدم تدخل أية دولة في الشؤون الداخلية لدولـة أخرى، لكن هـذه القاعدة لم تطبق على أرضية الواقع في أي وقت من الأوقات لأن الأقوياء كانوا دائماً يتدخلـون في الشؤون الداخلية للضعفاء لمجرد أنهـم قادرون على ذلك، ولا يسـتطيع أحد إيقافهم عند حدودهـم.
هناك عامل جديد في عالـم اليوم يجعل التدخـل وارداً وجائـزاً وهو حقـوق الإنسان، التي لم تعد من الشـؤون الداخلية التي لا يجـوز التدخل فيها، بل أصبحت ذات طابع عالمي، ومسـؤولية المجتمع الدولي، وتقع حمايتها على عاتق الجميـع، وليس من حـق أية حكومة أن تضطهد شـعبها أو تعتدي على أرواح مواطنيها وحرياتهم، وإلا فإن من حق العالم أن يتدخل بالنقـد والشجب والوسائل الدبلوماسـية إن أمكن، وبالقوة المسـلحة بقرار من مجلس الأمن الدولي إذا لـزم.
ضرب الشـعب الليبي بالرصاص الحي بـراً وجـواً، وقتـل الآلاف من المواطنين غير المسلحين، والتهديـد بإعدام المعارضين، كل هذا ليس من الشـؤون الداخلية التي يحق للقذافي أن يتصرف فيها بدون تدخـل خارجي. ومن المرجح أن يتحرك مجلس الأمن الدولي بإصـدار قرار بموجب الفصل السابع وأن يتحـرك مدعي عام محكمـة الجنايات الدولية لان هناك جرائم ترتكب ضـد الإنسانية.
حقيقـة أصبحت واضحة وهي أن للصبر حـدوداً، والشعوب لن تصبر إلى ما لا نهاية على الاسـتبداد والقهر والفسـاد. هـذه الحقيقـة وصلت الآن ولو متأخرة إلى الوطن العربي، فالشـعوب تثأر لكرامتها. ولم تكن القضية في أي وقت ارتفاع الأسـعار أو البطالة.
في ليبيا تقرر مؤخـراً أن يكون استهلاك الماء والكهرباء مجـاناً وكذلك التعليم والطـب، أما في حالة الاقتراض من البنوك لغاية 100 ألف دينار فإن الحكومة تسـدد الفائـدة نيابة عن المقترضين، وبطبيعة الحال لا توجـد أية ضرائب جمارك أو مبيعـات أو دخل. لماذا إذن تقـوم ثورة ويقـدم الشـعب ضحايا بالمئات للخلاص من النظام لو كانت المسألة اقتصادية أو اجتماعية.
الشـعوب تثور لكرامتها وحريتها ضد القهـر والاستبداد والفساد، فهي مصدر السلطات، وهذا هو الدرس الذي تقدمـه التجربـة الليبيـة بالذات.
(الراي)