خيارات بائسة

من لا يعرف حكاية شمشون التي أصبحت مضرب الأمثال في الانتحار واستراتيجية القتل الجماعي وهدم البيت على من فيه وسياسة الأرض المحروقة. وبلغة أخرى, علي وعلى أعدائي, أنا أو الطوفان وعلى حد تعبير مندوب ليبيا في الأمم المتحدة عبد الرحمن شلقم الذي انشق عن القذافي تعليقا على نهج العقيد قوله (أحكمكم أو أبيدكم).
هذا ما أقام الطغاة العرب استراتيجيتهم عليه منذ اغتصابهم الطويل للسلطة تارة باسم العروبة وتارة باسم فلسطين وتارة باسم مكافحة الشيوعية أو الإرهاب الأصولي. فالسلطة بالنسبة لهم ليست عقدا اجتماعيا ولا تسوية بين الحاكم والمحكوم بل مزرعة خاصة تفيض باللبن والعسل والعبيد وإذا ما تجرأ أحد على السؤال, مجرد السؤال, ناهيك عن الثورة صار الخيار واضحا محددا, الموت لكم أو لكلينا معا.
هكذا ومنذ عقود طويلة والطغاة العرب بأقنعتهم السياسية والطبقية والايديولوجية المختلفة يخيرون شعوبهم بين الاستسلام لهم ولعصاباتهم وسرقاتهم وشرطتهم السرية والتمجيد باسمهم صباح مساء, وبين تدمير البلد حجرا حجرا وانفجاره وتمزيق أوصاله على أسس جهوية أو طائفية أو سقوطه تحت هذا الاحتلال الأجنبي أو ذاك.
وقد تحملت الشعوب العربية وطأة فساد الحكام واستبدادهم ولصوصيتهم وتخاذلهم أمام العدو الخارجي وفضلت الصمت على انفجار البلاد أو وقوعها تحت الاحتلال, لكن (الظالمون جاوزوا المدى) والطغاة تجاوزوا الحدود ولم يتركوا للفقراء ما يسد رمقهم وأخضعوا البلاد لسياسات القهر والترويع والتجويع ونهب الموارد والتعامل مع البلد وثرواتها كمزرعة خاصة تحت غطاء دولي هو ما يسمى مكافحة الإرهاب, مما دفع الشعوب والجماعات المقهورة إلى تحدي هذا الابتزاز (الاستسلام أو الفوضى) وإلى التجاوب مع الحراك الشبابي فيها وبدون الاكتراث بنتائج وتداعيات الثورة العارمة. فالمهم بالنسبة لها هو تحطيم قيودها والثأر لكرامتها واطلاق مناخات جديدة لا مكان فيها للفساد والاستبداد.
واذا كان من احتمالات للفوضى والانفجارات الجهوية أو حتى الاحتلال الأجنبي فإن المسؤول عن ذلك ليس الشعوب المقهورة المهدورة كرامتها والمنهوبة ثرواتها, بل أنظمة الفساد والاستبداد المتسلطة على هذه الشعوب من عقود طويلة.
بالمقابل فإن حريق الثورات وتداعياتها أمام احتمالات مختلفة إذا لم تسارع هذه الثورات إلى قطع الطريق على محاولات الامبرياليين الأجانب والشركة معددة الجنسية وأجهزتها الأمنية, وهو ما يتطلب التأسيس فعلا لمناخات وحياة ديمقراطية تشكل بحد ذاتها صمام الأمان للوحدة الوطنية ولوقف الفوضى والتدخل الأجنبي.
(العرب اليوم)